الشباب المتسول : الآباء الغائبون

لايف ستايل - 18-04-2024

الشباب المتسول : الآباء الغائبون

اقتصادكم

 

المشاهد حزينة. بل إنها  مرعبة . صبي في السادسة من عمره يكدح أكثر من 14 ساعة يومياً، يتنقل من سيارة إلى أخرى، ورقبته محنية إلى الوراء في مرارة ويده ممدودة. وآخر يداعب ضفيرة شعره وهو يحدق في المارة أمام المسجد بعينين كبيرتين مبللتين، نظرة تُشعر الآخر بالذنب لأنه يتنفس، وتجعلك في حالة من القلق وتذكرك بأنك لست المشكلة، أنتم المارة، بل وجود طفل في الثامنة من عمره أمام المسجد من الحادية عشرة صباحاً إلى التاسعة مساءً كل يوم من أيام الأسبوع.

‎قد تظن أنها من عصر آخر؟ هذا خطأ. إنه يحدث اليوم. في كل مكان. كل ما عليك فعله هو أن تذهب إلى فرن عمومي، أو ميكانيكي، أو مقهى، أو محطة حافلات أو بقال، وستجد أطفالاً في العمل. من الصعب تصديق أنهم يحملون على أكتافهم مسؤولية ثقيلة بالفعل، فهم أطفال ضعفاء للغاية، وأطفال كثيرون. كسب لقمة العيش، وتوفير المال في نهاية كل أسبوع لإعطائه لأمهاتهم أو آبائهم الذين وافقوا على إرسالهم للعمل، على الرغم من صغر سنهم.

‎بالطبع، عندما تخبر رب العمل عن طفل لا ينبغي أن يُجبر على العمل والٱستغلال بهذا الشكل، فإنه يثور غضباً. أنا أعطيه شيئاً ليأكله ماذا تستطيع أنت  إعطاءه ؟ لكنه مجرد طفل، أرد عليه. إذاً هو يتعلم أن يكون رجلاً؟ الجملة القاتلة تلك التي من المفترض أن تسوي كل شيء وتخرسني. والأسوأ من ذلك كله، إنها نفس الجملة التي سينطق بها الأب الجالس على شرفة مقهاه طوال اليوم وفي فمه سيجارة. لكنك نخاس يا سيدي، مجرم في نظر كل قوانين العالم. اذهب وٱروِ هذه القصة في مكان آخر، لأنني أدفع لمن أريد ويعمل عندي من أريد، حتى لو كان طفلاً. أبوة عكسية.

‎هذا الطفل معيل. إنه مسؤول عن السماح للمارة بأن يشفقوا عليه في حفاظاته، وعن كسب المال لوالديه. الوالد الموظف لا يرحم، الطفل ملك له، هو من أتى به إلى العالم، دون أن ننسى أن خطاب التدين الثقافي يجعل الطفل مدينًا إلى الأبد. خطاب خارج سياقه، لكنه خطاب ناجح. بالطبع، ما دام لا أحد يأتي ويطلب منه أن يحاسبه على عمل طفل في السادسة من عمره، يلعب مع أصدقاء آخرين في مثل سنه ويستمتع بهذه الفترة الجميلة من الحياة التي نسميها طفولة، دون أن يعلم أن هذه هي الثروة الوحيدة التي يملكها الإنسان. وبالطبع، لا يفهم هذا البالغ أن  الطفل يجب أن يحافظ عليه ويحميه، وأن لا يجعله ينحني تحت صندوق بطاطا أو إطار لإصلاحه ،هو صدمة تستمر مدى الحياة.

‎ومع ذلك، فإن هذا الاستغلال لصندوق البطاطس جدير بالثناء، كما قد يقول بعض الآباء، لأنهم على الأقل لا يستغلون أطفالهم في الدعارة. في حين أن أمهات أخريات في حاجة إلى الموارد، يرغبن في رؤية طفلة في الرابعة عشرة من عمرها وقد كبرت وأصبحت نبتة جميلة وتراها بالفعل على منصات عرض الأزياء في الشرق الأوسط، هزيلة ومبتسمة، مما يمنح الأسرة كلها حياة جيدة ودفعها إلى أحياء الطبقة المتوسطة، ومن يدري، مع خروف شيخ جيد (اللقب الشعبي للشيخ الغني في العامية المغربية) تحت حزامها. فأين هي كل الشعارات المغربية عن حماية الأطفال؟ ما عليك إلا أن تتجول في المدينة، حياً بعد حي، لترى مدى قلة العناية بالأطفال. يمكن للسياسيين التغني بحقوق الطفل، لكن لا شيء يتحقق.

‎يمكن أن تتدخل المنظمات غير الحكومية. الأمر نفسه دائماً: مئات الآلاف من الأطفال متروكين تحت رحمة المال. وأسوأ ما في الأمر أن المغرب بصدد إنتاج أعداد كبيرة من الأطفال الذين يولدون بالغين وقد نسوا طفولتهم تمامًا، ويحملون في داخلهم غضبًا غير مبرر قد يثبت يومًا ما أنه خطير للغاية. خطير، في الواقع، لأن الطفل يتوقف عن النضوج عندما تحدث الصدمة ويتحول إلى شخص بالغ غير ناضج، مندفع، غاضب، مدمن مخدرات، مجرم... ومع ذلك، يبكي طفولته المفجعة. التناقض كبير.
‎لكن معاناة شخص واحد تؤدي إلى معاناة شخص آخر، ونحن نعيد إنتاج هذه المعاناة جيلاً بعد جيل إلى ما لا نهاية، لأنني إن نجوت من هذه المعاناة فهي وصفة جيدة للنمو. 

إن البالوعة مفتوحة على مصراعيها، ولكن طالما أنها متروكة على الباب فلا مانع لدي. إن قيم المواطنة والالتزام الاجتماعي والمسؤولية الجماعية هي بالتأكيد على الورق، ولكن كما هو الحال مع الكثير من الأمور المهمة الأخرى، يكفي التواصل والورق؛ أما التغيير والنتائج فلا أهمية لها.

 

‎بقلم الدكتورة إيمان قنديلي، طبيبة نفسية وأخصائية في علاج الإدمان.