اقتصادكم - أسامة الداودي
يشهد قطاع الطاقة في المغرب تحولات متسارعة بفضل الطاقات المتجددة وتمويلات البنية التحتية، ما يجعل النقاش حول الحكامة، وتوازن العرض والطلب، واستقطاب الاستثمارات الخاصة، في صلب الرهانات الوطنية للانتقال الطاقي.
ومع ارتفاع الطلب المحلي وتنامي مشاريع الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر، يبرز سؤال جوهري حول قدرة الشبكات والسياسات التنظيمية على مواكبة هذا التوسع وضمان استدامة المنظومة الطاقية ومرونتها في السنوات المقبلة.
وفي حوار خصت به موقع "اقتصادكم"، أكدت جيسيكا عبيد، الشريكة المؤسسة في شركة "نيو إنرجي كونسلت"، والمستشارة المستقلة في سياسات الطاقة، أن تسريع الانتقال الطاقي في المغرب يمر أساساً عبر تعزيز الحكامة، وتطوير البنية التحتية للشبكة، وضمان جاذبية الاستثمار، مع تكامل حلول التخزين وإدارة الطلب لدعم الطاقات المتجددة.
وتعد جيسيكا عبيد من أبرز الخبراء العرب في سياسات الطاقة، بحكم تجربتها الأكاديمية والمهنية المتقدمة، لكونها مشاركة في قسم الطاقة والبيئة والموارد ب“تشاتام هاوس“ وزميلة غير مقيمة في المركز اللبناني للدراسات، وتشغل منصب مستشارة أولى لدى شركة “أزور استراتيجي“، بعد مسار حافل كان آخره في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ببيروت.
وفي ما يلي نص الحوار:
في ظل النمو اللافت لقدرات المغرب في الطاقات المتجددة (مثل طاقة الرياح)، كيف ترون دور السياسات التنظيمية، بما في ذلك التعريفات وشروط الولوج إلى الشبكة، في تشجيع المستثمرين الخواص على المساهمة في إنتاج الطاقة المتجددة؟
حقق المغرب تقدما كبيراً في مجال الطاقات المتجددة جزئياً بفضل آلياته التنظيمية والمؤسساتية.
ومع ذلك، ستكون هناك حاجة لاتخاذ خطوات إضافية في المراحل المقبلة، بما في ذلك عقود شراء الطاقة مع الشركات (Corporate PPAs)، واعتماد تعريفات وشروط ولوج إلى الشبكة تتسم بالوضوح والقدرة على التوقع.
لقد استثمر المغرب في إصلاحات تبعث إشارات قوية للمستثمرين الخواص لجذب الاستثمارات إلى القطاع.
ويسمح الاستمرار في مراقبة وتحسين هذه الأطر للمملكة بالحفاظ على جاذبيتها كوجهة استثمارية في الطاقات المتجددة.
أشار تقرير الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء إلى ارتفاع الطلب المحلي على الكهرباء بالتوازي مع نمو الإنتاج من الطاقات المتجددة.. كيف تقيّمون التوازن الحالي بين تنظيم السوق وفعاليته في تلبية هذا الطلب وضمان استدامة القطاع؟
يشهد المغرب، شأنه شأن باقي دول المنطقة، ارتفاعاً غير مستدام في الطلب المحلي على الكهرباء، ما قد يهدد مرونة القطاع الكهربائي وخططه الطموحة المتعلقة بالتصدير والانتقال الطاقي، في حال عدم اتخاذ إجراءات لتعزيز إدارة الطلب، والمرونة، وأنظمة تخزين الطاقة.
تعد أنظمة تخزين الطاقة ضرورية لتحسين استغلال الإنتاج من مصادر الطاقة المتجددة المتقلبة، كالطاقة الشمسية والريحية، وضمان قابلية الكهرباء للتوزيع خلال فترات الذروة.
كما أن إدارة جانب الطلب أساسية من خلال تنفيذ تدابير الفعالية الطاقية وضمان تعريفات تحفّز المستثمرين وتحد من الاستهلاك غير الرشيد وتبقى في المتناول.
هذا التوازن صعب التطبيق، لكن في حال اعتماده يمكن للمغرب تلبية الطلب المتزايد دون المساس باستدامة القطاع.
أُعلن عن تمويل أوروبي مهم لتعزيز شبكة الكهرباء في المغرب (مثل 300 مليون يورو لدعم البنية التحتية).. ما التحديات التي ترونها في دمج هذه الاستثمارات داخل شبكة قادرة على استيعاب الزيادة في قدرات الطاقة المتجددة؟ وكيف يمكن تجاوزها؟
تطوير وتوسيع البنية التحتية للشبكة الكهربائية يُعد حجر الزاوية لزيادة إدماج الطاقات المتجددة، وغالباً ما يتم إغفاله في العديد من البلدان بسبب ضعف القدرة الاستثمارية وهشاشة التخطيط.
لذلك، فإن هذا التمويل ضروري لصناعة الطاقة المتجددة بالمغرب حتى تتمكن الشبكة من استيعاب كميات كبيرة من الطاقة الريحية والشمسية المتغيرة.
وتكمن التحديات الأساسية في معالجة ازدحام الشبكة، وغياب مراكز التنبؤ والدمج، والعمل بالأنظمة التقليدية لإدارة الشبكة، وعدم توازن القدرة على نقل الكهرباء بين مناطق الإنتاج ومراكز الطلب.
وقد تواجه مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة تأخيرات في الربط بالشبكة أو تقليصاً للإنتاج في حال عدم تنفيذ هذه التحديثات.
ومن ثم، يجب أن يقترن الاستثمار بالتخطيط الاستراتيجي، واعتماد مدونات الشبكات الحديثة، وإجراءات واضحة لربط المشاريع.
وسيسهم ذلك في تمكين الاستثمار الأوروبي من تطوير شبكة حديثة ومرنة تشكل قاعدة أساسية لخطة المغرب المستقبلية في التصدير الطاقي.
في إطار استراتيجية الانتقال الطاقي للمغرب، هل ترون فرصاً كبيرة لتطوير مشاريع مثل الهيدروجين الأخضر أو تخزين الطاقة (مثل الضخ المائي)؟ وكيف يمكن لشركات الاستشارة مثل New Energy Consult الإسهام في تطوير هذه القطاعات؟
إن سجل المغرب في الطاقة النظيفة وقدرته على تعبئة التمويلات، إضافة إلى رؤيته الاستراتيجية طويلة المدى، يتيح فرصاً كبيرة لقطاعات ناشئة مثل الهيدروجين الأخضر، والتخزين واسع النطاق للبطاريات، وتوسيع قدرات الضخ المائي لإنتاج الطاقة.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الهيدروجين الأخضر قطاع ناشئ ويواجه تحديات عديدة، من بينها محدودية التمويل، وارتفاع التكاليف والخسائر، وتعقيدات تقنية تتعلق بالتخزين والنقل، إضافة إلى حاجته لاستثمارات ضخمة في الطاقات المتجددة.
لذلك، هناك ضرورة لإجراء دراسات جدوى دقيقة وتحليلات للسوق والمستهلكين، وتصميم أمثل للمشاريع.
كما تعد أنظمة تخزين الطاقة محورية للحفاظ على زخم الطاقة المتجددة وزيادة قدرتها الإنتاجية، فهي تساهم في تعزيز مرونة الشبكة وتقديم خدمات أساسية لدمج الطاقة المتجددة بسهولة.
لكن تمويلها معقد، ما يستلزم وضع أطر تنظيمية ومالية تُمكّن من تعبئة التمويلات عبر نماذج متعددة للعائدات (Revenue Stacking).
وبشكل عام، يُعد هيكلة المشاريع وتكامل الأنظمة من العوامل الحاسمة التي ينبغي للمغرب التركيز عليها في المرحلة المقبلة.
وهنا تكمن قيمة شركات الاستشارة مثل New Energy Consult التي تعمل على سد الفجوة بين الطموح السياسي والتنفيذ العملي، من خلال تطوير مشاريع قابلة للتنفيذ وتسريع انتشار الجيل الجديد من أنظمة الطاقة في المغرب.