دروس صراع "بوكينغ" وأرباب الفنادق !

التحليل والرأي - 19-08-2023

دروس صراع "بوكينغ" وأرباب الفنادق !

اقتصادكم

 

لا مجال للتقدم دون استخلاص الدروس من كل تجربة عابرة. هكذا تتطور الاقتصاديات عبر العالم، وحاول في الطريق نحو تحقيق نموها، سد الثغرات وإصلاح العيوب والأعطاب. بالنسبة إلى المغرب شكل الصراع الأخير بين منصة الحجوزات العالمية "بوكينغ" وأرباب الفنادق المغاربة مادة مثالية للفحص والتدقيق واستخلاص الدروس النافعة.

الصراع الدائر بين الطرفين، فجره قرار منصة الحجوزات بتحويل العمولات من الفندقيين بالعملة الصعبة، الأمر الذي يمثل كلفة إضافية بالنسبة إلى المهنيين المغاربة، بنسبة 10 % على مستوى الاقتطاع من المنبع، وحتى بعد "تفاهمهما" أخيرا، من خلال تعهد "بوكينغ" بتحمل تكاليف تحويل العمولات، خصوصا تكاليف التحويلات من حساب بنكي إلى آخر، والتحويلات عبر نظام "سويفت"، إلا أن الدرس الذي يتعين استخلاصه هنا، يتمثل في نزيف قائم للعملة الصعبة، لم يشهد أي تدخل من وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني لوقفه.

إذا كان جلب العملة الصعبة أهم أهداف النشاط السياحي، فعمولات "بوكينغ" وتريب أدفايزر" وإكسبيديا" في المغرب أصبحت تمثل ثغرة بالنسبة إلى الاقتصاد الوطني، تتجاوز تأثيراتها القطاع السياحي إلى قطاعات أخرى، باعتبار الاعتماد على الدولار والأورو في تمويل الواردات، في ظل الظرفية الحالية، التي شهدت تفاقم فاتورتها، خصوصا المواد الأساسية والطاقية اللازمة لحركية التنمية، وتغطية تكاليف الأوراش والمشاريع الكبرى.

بلغة الأرقام، فاحتياطيات المملكة من العملة الصعبة، بلغت 348,6 مليار درهم، أي ما يفوق 34.8 ألف مليار سنتيم، في 4 غشت الجاري، لتسجل ارتفاعا بنسبة 1,9 % من أسبوع إلى آخر، وبـ 5,3 % على أساس سنوي، فيما واصلت مداخيل القطاع السياحي المغربي نموها بشكل ملحوظ. إلى متم شهر يونيو 2023، إذ بلغت إيرادات السياحة من العملة الصعبة "الدوفيز" ما يعادل 47.8 مليار درهم، أي 4780 مليار سنتيم، مسجلة زيادة استثنائية بنسبة 43 % مقارنة مع نفس الفترة في 2019.

هذه الاحتياطيات من العملة الصعبة والإيرادات من السياحة من شأنها تحقيق نتائج أفضل ومردودية أعلى، في حال الاستفادة من درس مهم يمكن استخلاصه في الصراع المذكور، يتعلق أساسا بأن 90 % من الحجوزات التي تتم عبر "بوكينغ" وغيرها من المنصات في الفنادق بالمغرب ترتبط بزبناء مغاربة، الأمر الذي يحيل على ضرورة إعادة النظر في العرض التسويقي من قبل أرباب لفنادق بالمملكة، وملائمته مع التوجه نحو الرقمنة، الذي تعزز منذ تفشي جائحة كورونا.

الدرس الآخر المستفاد من هذا الصراع، يتضح من خلال الأسباب التي دفعت "بوكينغ" إلى تبني مرونة في موقفها مع المهنيين المغاربة، باعتبار أـن أغلب الحجوزات تتم من قبل مواطنين مغاربة أيضا، تحديدا من السوق المحلية، ما عزز الموقف التفاوضي للمهنيين ووضعهم في موقع الند للند مع المنصة العالمية، ليظل المستقبل رهينا للخروج من سيطرة هذا النوع من الفاعلين، بالقدرة على التكيف مع متغيرات السوق وصياغة عروض تلائم حاجيات الزبناء، بحيث لا يضطرون للبحث عنها في العروض الدولية.