تزامنت سنة 2024 مع انطلاق برنامج دعم السكن الذي يمثل إحدى أهم المبادرات الحكومية لتحفيز القطاع العقاري وتيسير اقتناء السكن للمواطنين، هذا البرنامج جاء في سياق اقتصادي واجتماعي معقد، إذ تسعى الحكومة إلى مواجهة تحديات القدرة الشرائية وتحفيز الإنتاج العقاري لمواكبة الطلب المتزايد، ورغم النتائج الإيجابية الأولية التي حققها البرنامج، يبقى السؤال مطروحًا حول مدى قدرة السوق العقارية على تحقيق التوازن بين العرض والطلب في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية.
وفقًا للخبير العقاري أمين المرنيسي، بلغ عدد الطلبات المقدمة ضمن البرنامج 135 ألف طلب بنهاية شهر دجنبر، في حين استفاد حوالي 35 ألف شخص فقط، هذا الفارق الكبير يعكس الحاجة الملحة لتعزيز الإنتاج العقاري لتلبية الطلب المتزايد، إذ تظل 100 ألف طلب معلقة بسبب نقص المنتجات السكنية المتوفرة، لذلك شدد المرنيسي، على ضرورة إنتاج وحدات سكنية باستمرارية وامتدادها إلى جميع المدن.
من جهة أخرى، ساهمت الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية بشكل ملموس في تحسين دينامية القطاع العقاري وقطاع البناء عمومًا، وقد أدى برنامج دعم السكن إلى زيادة في حركة السوق، كما أظهرت أرقام إنتاج الأسمنت نموًا بنسبة تفوق 10% ما بين سنتي 2023 و2024، مما يعكس الانتعاش الواضح للقطاع بفضل هذه الاستثمارات.
ويتوقع المرنيسي، أن تشهد المدن الكبرى والمدن المحيطة بها، مثل مراكش، الدار البيضاء، طنجة، أكادير، الرباط، وفاس، نموًا عقاريًا كبيرًا في أفق 2025، نظرًا لاستضافة المغرب لفعاليات رياضية بارزة ككأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، هذه الدينامية ستدفع إلى تطوير البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والمطارات، وستزيد من الحاجة إلى وحدات سكنية وشقق للإيجار لتلبية الطلب المتوقع من السياح والزوار.
على الرغم من هذه الدينامية، تواجه السوق العقارية تحديات مرتبطة بالقدرة الشرائية، التي تعد من أبرز التحديات، خصوصًا بعد التأثيرات السلبية لأزمة كوفيد-19 والتضخم والحرب الأوكرانية، قدمت الحكومة دعمًا ملموسًا من خلال برنامج دعم السكن، الذي يتيح إعانات مباشرة تصل إلى 100 ألف درهم للوحدات الاقتصادية و70 ألف درهم للوحدات المتوسطة، ومع ذلك، يظل الدعم غير كافٍ لأنه يركز فقط على صنفين من العقارات، بينما يفتقر باقي المنتجات العقارية، إلى هذا النوع من الدعم.
وأبرز الخبير العقاري، في حوار لموقع "اقتصادكم"، أن التخفيض الأخير لسعر الفائدة الرئيسي بنصف نقطة مئوية من قبل البنك المركزي، يشكل خطوة إيجابية للقطاع العقاري، رغم أن أكثر من 80% من القروض العقارية الحالية تُمنح بفوائد ثابتة، إلا أن هذا الانخفاض قد يجعل عروض القروض الجديدة أكثر تنافسية، لذلك، من المرجح أن يكون التأثير الإيجابي أكثر وضوحًا على المدى المتوسط والطويل.
فيما يتعلق بالاحتياجات المستقبلية، يرى المرنيسي، أن توفير الأراضي هو العامل الحاسم في تحقيق إنتاج عقاري مستدام، وهنا يكمن دور الحكومة في تخصيص أراضٍ بأسعار معقولة للمستثمرين العقاريين، مما يتيح إنتاج وحدات سكنية تلبي احتياجات المواطنين بأسعار تنافسية، موضحا أن القطاع العقاري يلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد الوطني، حيث يوفر مليون وظيفة ويساهم بنسبة تتراوح بين 6% و7% من الناتج المحلي الإجمالي، ولضمان مساهمة القطاع في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل، يوصي المرنيسي، بتخفيف الضغط الضريبي على المقتنين لتحفيز الطلب وزيادة النشاط في السوق العقارية.
يلعب القطاع العقاري دورًا أساسيًا في الاقتصاد الوطني، لكن تحقيق إمكاناته الكاملة يتطلب معالجة التحديات المرتبطة بالإنتاج، القدرة الشرائية، وتوفير الأراضي. ومع الدعم الحكومي المتزايد، والمبادرات الرامية إلى تعزيز البنية التحتية، يبدو أن القطاع مهيأ لتحقيق المزيد من النمو والاستجابة لاحتياجات المواطنين والمستثمرين على حد سواء.