اقتصادكم ـ شعيب لفريخ
الحديث عن التضخم، هو حديث عن موضوع اقتصادي آني، مرتبط بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وهو لا يخص فقط المغرب، وإنما يشمل مختلف الاقتصادات العالمية، ولم تفلت أي دولة بدرجة ما من الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، التي بلغت معها الزيادات في أسعار السلع والمنتجات نسبة بين 25 و40 في المائة، وذلك حسب البيانات الإحصائية الصادرة عن الاقتصادات الكبرى والنامية على السواء.
لكن بالنسبة للمغرب، فقد عرف، تضخما، وزيادات ليست بالبسيطة، في أسعار السلع والمنتجات، ابتداء من صيف سنة 2021، قبل الانتخابات التشريعية والجماعية الأخيرة، وقبل مجيء الحكومة الحالية، ولم تكن بطبيعة الحال بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، التي لم تكن قد بدأت بعد، ولم تحدث إلا بتاريخ 24 فبراير 2022.
الزيادات التي حصلت أنداك، في أسعار السلع والمنتجات في السوق المغربية، استفادت من فترة نمو الاقتصاد المغربي في سنة 2021، ولم تكن مبررة، لأن العديد منها، لم تمسها أية زيادة في السعر على مستوى السوق الدولية، ولم تكن هناك زيادة في الضرائب على الواردات أو المنتجات، وعلى العموم، فهي زيادات لم تكن مفهومة، وكانت غامضة، ولم يعرف بعد من كان وراءها، هل الاحتكارات، هل احتكار الأقلية، أم ماذا، وزادها غموضا صمت أجهزة الدولة، بما فيها مجلس المنافسة، علما بأن تلك الزيادات، كانت خارج القانون.
وإذا كان قياس التضخم، ينبني على أسعار المستهلك والسلع والخدمات الاستهلاكية، وأن مؤشر أسعار المستهلكين هو المحدد الأساسي للتضخم، فأسعار المواد الغذائية قد ارتفعت في 2021، وقد سجلت المندوبية السامية للتخطيط ، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 1.4% سنة 2021، أي ضعف الزيادة المسجلة 0.7% سنة 2020، بحيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بـ0.8%، والمواد غير الغذائيةبـ1.8%.
معطيات بنك المغرب المتفائلة دائما، ذكرت أن نسبة التضخم، انتقلت في سنة 2021، إلى 1.4%، عوض نسبة 0.7% سنة 2020.
خلاصة القول، أن هناك نوعين من التضخم في المغرب، تضخم سابق عن الحرب الروسية الأوكرانية، وتضخم ما بعد مرحلة انطلاق الحرب، لكل واحد أسبابه، فالتضخم المتعلق بالمغرب هو تضخم زاحف، أي أنه في زيادة مفتوحة ومتصاعدة، ففي سنة 2022 توقع تقرير بنك المغرب زيادة في التضخم إلى 4.7%، وتوقعت المندوبية السامية للتخطيط زيادة إلى 5.9%.
أسباب التضخم في المغرب، لم تكن مرتبطة فقط بطارئ كورونا، أو بالحرب الأوكرانية، وإنما كانت بسبب زيادات لم تعرف مصادرها، وهي ناتجة، كما قال بذلك بعض المراقبين، عن غياب الحكامة، وعن ضعف الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المغربي، والتبعية السلبية، والهدر والفساد، وان الإصلاح الاقتصادي الذي يضمن استدامة التوازن والاستقرار، ينبغي أن تكون له علاقة بسيادة الحكامة الجيدة والتقنين، وبالسياسات العمومية الاقتصادية السديدة، و بالسيادة الغذائية والطاقية والدوائية، والتخلص من الديون، وعدم التفريط في السيادة المالية.
وإذا كان اقتصاد المغرب مرتبط مع باقتصادات شركائه، فهو سيتأثر حتما بمعدلات التضخم المسجلة لدى أولئك الشركاء، فعلى سبيل المثال فقد بلغ هذا المعدل في الولايات المتحدة، أكبر زيادة سنوية له منذ ديسمبر عام 1981، مع ارتفاع أسعار السلع بنسبة قدرت بـ8.5 بالمائة في الأشهر الاثني عشر المنتهية في مارس الماضي.
وفي منطقة اليورو سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا بلغ 8.1 بالمائة في مايو الماضي صعودا من الرقم القياسي السابق 7.4 بالمائة الذي بلغه في أبريل الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ بدء حفظ السجلات لليورو في عام 1997، وسط ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء، أما في بريطانيا فبلغ المعدل خلال شهر مارس الماضي أعلى زيادة له منذ 30 عاما، بعد أن ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 7 بالمائة خلال عام حتى مارس الماضي، مقارنة بنحو 6.2 بالمائة في فبراير الماضي.
ولعل هذه الأرقام هي ما دفع صندوق النقد الدولي مؤخرا لتعديل توقعاته للتضخم في العام 2022، مرجحا أن يصل التضخم إلى 5.7 بالمائة في الاقتصادات المتقدمة و8.6 بالمائة في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وفرض على البنك الدولي كذلك خفض توقعاته للنمو العالمي 1.2 نقطة مئوية إلى 2.9 في المائة في 2022 محذرا من مخاطر "ركود تضخمي" أي "فترة طويلة من النمو الضعيف والتضخم المرتفع".
وحسب أحد المحللين، فالسبب الرئيس لموجة التضخم الحالية عدا عن الآثار المترتبة على جائحة كورونا هو ضخ الفدرالي الأمريكي ما يزيد على 3 تريليونات أو 7 تريليونات دولار وفقا لبعض الخبراء في الجهاز المالي، وهو ما أثر على الاقتصادات العالمية خاصة المربوطة بالدولار.
وأكد أن هذا الارتفاع في أسعار الغذاء بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة هو المغذي الرئيس للتضخم على مستوى العالم.