اقتصادكم ـ شعيب لفريخ
الاختلالات التي يعرفها قطاع الصحة ليست بجديدة، وقد تراكمت على مدى سنوات وعقود، وقد عرت عن واقعها أزمة كوفيد19، هذه الأزمة التي فرضت بقوة على المسؤولين عن تدبير الشأن العام نهج مقاربة إصلاح القطاع، غير أن إشكالية الإصلاح كما هو مسلم به، تفترض إصلاحا شموليا للمنظومة الصحية مع وجود إرادة مرتكزة على رؤية تنموية حقيقية.
مؤخرا وقبل أيام خلال شهر أبريل الجاري، صدر تقريران يرصدان اختلالات قطاع الصحة العمومية والصحة بشكل عام، الأول أصدرته مؤسسة الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان حول رصد وتقييم السياسة الصحية بالمغرب خلال الولايتين الحكوميتين السابقتين من 2012 إلى 2020، واشتمل على تقييم مواضيع الخدمات الصحية، والسياسة الدوائية والتمويل والحكامة في قطاع الصحة العمومية.
أما التقرير الثاني فقد أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان تحت عنوان " فعلية الحق قي الصحة تحديات، رهانات ومداخل التعزيز"، تم فيه تشخيص واقع الصحة ومعيقاته واختلالاته.
وعلى كل حال فمضامين التقريران مهمة جدا ويشكلان مرجعا من حيث الرصد والتقييم، وخلاصاتهما الاقتراحية قوية وهما بمثابة خارطة طريق لإصلاح قطاع الصحة العمومي والخاص بشكل عام.
لكن ينبغي الاعتراف بأن توصيات ونصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في مراحل معينة وحرجة من تاريخ المغرب ساهمت مساهمة ضارة جدا في تخريب قطاع الصحة وقطاعات أخرى لا مجال لذكرها، رغم أن الحق في الصحة هو من الحقوق الإنسانية المعترف بها من هيئة الأمم المتحدة، التي يتبع لها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ويا للمفارقة والتناقض.
ونصائح وتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبخلفياتهما الاستغلالية حولا صحة الناس والخدمة العمومية إلى سلعة، سقطت معهما مبدئية الحق الإنساني في الصحة، كما أن تلكما المؤسستان ساهما في الرفع من تكاليف العلاج واخترقا قسم أبقراط الطبي، والمشهد انطلق في المغرب منذ مدة..
وينبغي الاعتراف كذلك بأن قطاع الصحة مصاب باختلالات عميقة، ليس فقط من حيث شح الانفاق والميزانية، أو سوء تدبير الموارد المالية وسوء تدبير الحكامة الدوائية أو الاختلالات المجالية، وإنما يشمل كل جزئية ولبنة في صرح قطاع الصحة المعاق في منظومته.
كما ينبغي الاعتراف بأن إصلاح القطاع الصحي لا تنفع معه الشعارات واجترارها ت مثل شعار "الدولة الاجتماعية" بدون وجود أي اهتمام بالمجتمع وبحقوقه الإنسانية، وبدون أي إصلاح على أرض الواقع وبدون وجود أي أثر فعلي ملموس.
فالنموذج التنموي الذي بدأ يتقادم وتحول إلى شعار بدون مضامين فعلية، لا يمكنه أن يساهم في إصلاح قطاع الصحة أو غيره من القطاعات إذا بقي كشعار استهلاكي؛ لكن إذا كانت هناك إرادة لتطبيق النموذج التنموي على الأرض فيمكن إصلاح ليس فقط قطاع الصحة وإنما مجمل القطاعات الأخرى المختلة والمعطوبة.
إن بلورة استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة لضمان فعالية الحق في الصحة، تشتمل على سياسة دوائية وطنية وبحكامة جيدة للمنظومة الصحية الشاملة وباستثمار وإنفاق ملائم إلخ..، هو مرتبط أشد الارتباط بالتنمية العادلة والشاملة المبنية على روح الدستور وعلى نموذج فعلي للتنمية وليس شيئا آخر، يعترف بالحقوق ويصرف وتيرة النمو على مستوى انتاج الثروة وتوزيعها في إطار حكامة جيدة.
أما اختزال الإصلاح في الزيادة في مبالغ الميزانية المخصصة للقطاع، فسيكون بدون أدنى شك إصلاحا معتلا لأنه لم يشمل إصلاح المنظومة الصحية إصلاحا شموليا.