اقتصادكم
يستعد سوق الأوراق المالية لتجاوز مرحلة جديدة في عام 2025، استمرارًا لعام 2024 الذي شهد تسجيل أرقام قياسية في مؤشرات بورصة الدار البيضاء وتوسعًا ملحوظًا في إدارة الأصول. البورصة حققت وتحقق مستويات مرتفعة، ويعود هذا الزخم إلى عدة قطاعات رئيسية مثل العقار والبنيات التحتية، والصحة، والبنوك، التي أظهرت مرونة كبيرة مع الحفاظ على آفاق نمو قوية نحو عام 2030. هذا الوضع مكّن السوق المغربي من الحفاظ على ديناميته في مواجهة الظروف الدولية التي غالبًا ما تكون مشوبة بالشكوك، مما يعزز مكانة بورصة الدار البيضاء في أفق جذب الاستثمارات الوطنية والدولية.
على المستوى القطاعي، تظل قطاعات البناء والعقارات من الدعائم الأساسية لنمو البورصة، حيث تدعمها المشاريع الكبرى للبنية التحتية والتطور العمراني. يستفيد قطاع البناء من العروض العامة والخاصة المتزايدة لتحديث البنية التحتية وخلق مراكز اقتصادية إقليمية جديدة. وقد قدّر المهنيون احتياجات الاستثمار في هذه القطاعات بما يزيد عن 1.000 مليار درهم حتى عام 2030. قطاع الصحة، المدعوم بتدابير تحفيزية وتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية، يعتبر من المحركات الرئيسية لزيادة النشاط البورصي، حيث يستفيد هذا القطاع من استثمارات ضخمة تهدف إلى توسيع التغطية الصحية وتعزيز الوصول إلى الرعاية، وهو ما يعزز نمو الأسهم في هذا القطاع، مثل سهم "أكديتال" الذي يحقق حاليًا مستويات قياسية.
أما القطاع البنكي، فيستمر في لعب دور رئيسي في السوق، حيث يقدم ربحية قوية وقدرة كبيرة على تمويل الاقتصاد، ومنه حافظت البنوك المغربية على نموها في عام 2024 مع تحسين ربحيتها. بفضل السياسة النقدية الميسرة نسبيًا، من المتوقع أن يستمر تسهيل الوصول إلى الائتمان في عام 2025، مما يعزز الاستهلاك والاستثمار، وهما عاملان إضافيان لدعم أداء البورصة لهذا القطاع الذي لا تزال تقييماته منخفضة مقارنة بالقطاعات الأخرى.
من جهة أخرى، تعززت عمليات الطرح العام الأولي (IPO)، ما أدى إلى زيادة الاهتمام من قبل المستثمرين الأفراد والدوليين في سوق الأوراق المالية، حيث تواكب عروض القيم الجديدة الطلب المتزايد من المستثمرين الراغبين في تنويع استثماراتهم والمساهمة في تمويل المشاريع المستقبلية. عندما يتم إعداد هذه الطروحات بشكل جيد ويصاحبها تواصل مالي شفاف، فإنها تخلق دائرة إيجابية تتكون من توسيع قاعدة المساهمين، وتنشيط بورصة الدار البيضاء، وتعزيز الرؤية الدولية للسوق المغربي.
إدارة الأصول في حالة نمو قوي
في الوقت نفسه، يشهد قطاع إدارة الأصول توسعًا ملحوظًا. حيث وصل حجم الأصول المدارة إلى رقم قياسي جديد تجاوز 650 مليار درهم بنهاية دجنبر 2024، وذلك بفضل جمع الأموال الجيد من قبل الصناديق والأداء الإيجابي لجميع فئات الأصول. من المتوقع أن يستمر التحويل التدريجي للمحافظ المؤسسية نحو شركات إدارة متخصصة في عام 2025، بينما تساهم الأداءات الجيدة لمختلف فئات الأصول، سواء كانت أسهمًا أو سندات أو استثمارات بديلة، في بيئة إيجابية بشكل عام. إذا تم تأكيد انخفاض سعر الفائدة الرئيسي، فقد يعزز ذلك العوائد على السندات ويدعم تقييمات منتجات الفائدة.
وفي هذا السياق، يُنتظر وصول الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs) التي تعتبر حلاً مربحًا وقابلًا للوصول بشكل أكبر، ومن المتوقع أن توسع من مجموعة المنتجات المتاحة وتجذب فئة جديدة من المستثمرين، خاصة الأفراد الذين يبحثون عن حلول بسيطة وفعالة.
كما أن إنشاء سوق العقود الآجلة، الذي تم الإعلان عنه ويقترب من الانطلاق، من عوامل النمو المهمة المنتظرة في سوق رأس المال في2025، لما توفر الأدوات المشتقة للمستثمرين حلولًا إضافية للتحوط والمضاربة والتنويع. بالنسبة للمهنيين، قد يساهم هذا السوق في إدارة أفضل للمخاطر، مع تأثير إيجابي على الاستقرار المالي بشكل عام. إذا تم تنظيم إطلاقه بشكل جيد وترافقه إجراءات توعوية، فإنه سيضيف سيولة وعمقًا أكبر للبورصة.
أما بالنسبة لصناديق هيئات التوظيف الجماعي العقاري (OPCI) ، فإن المسار التصاعدي يستمر.بعد تجاوز أصولها المدارة عتبة 100 مليار درهم بنهاية 2024، تواصل هذه الصناديق جذب المستثمرين المؤسسيين والهيئات الراغبة في الاستثمار في العقارات المؤجرة مع الاستفادة من تنويع المخاطر. ويشجع الإطار التنظيمي الملائم والضرائب وكذلك رغبة الدولة في الاستفادة من هذه الصناديق لزيادة قيمة ممتلكاتها هذا الاتجاه. من المتوقع أن يعزز استخدام 35 مليار درهم من قبل الحكومة في 2025 عبر هذه الصناديق هذه الديناميكية.
بالمجمل، يبدو أن سوق الرساميل في 2025 يستعد لتحقيق نمو واعد، مدعومًا بمجموعة من العوامل الهيكلية والظرفية، وتشير التوقعات إلى آفاق نمو قوية لبورصة الدار البيضاء، مع تزايد تنوع القطاعات ونشر أدوات سوق جديدة مثل الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs) وسوق العقود الآجلة، مما يعزز تحديث النظام المالي.
تشكل الصناديق العقارية المشتركة، بفضل أدائها الأخير، أحد المحركات الرئيسية للنمو، خاصة مع التزام الدولة بهذا المجال. زيادة الأصول المدارة، وتوقع تراجع سعر الفائدة، والتدفق المتوقع للاستثمارات الأجنبية كلها عوامل تدعم الصورة الإيجابية. رغم وجود بعض التحديات، مثل تقلبات الأسواق العالمية، والتوترات الجيوسياسية، وتقلبات أسعار السلع، إلا أن الديناميكية الوطنية تبدو مستقرة. أظهرت المؤسسات المالية المغربية قدرتها على التكيف مع الصدمات الخارجية واتباع الاتجاهات الجديدة مثل الرقمنة، والتمويل المستدام.
ختامًا، فإن عام 2025 يمثل سنة حاسمة لتعزيز مكانة الدار البيضاء كمركز مالي إقليمي، قادر على المنافسة مع الأسواق الناشئة في القارة. إن ثقة المستثمرين، وازدهار القطاعات الرئيسية، والانفتاح التدريجي للسوق عبر أدوات مالية جديدة تشكل معًا آفاقًا إيجابية. ولكن يجب الحفاظ على جاذبية السوق وشفافيته لدعم حماسة الفاعلين في السوق، مع ضمان أن الإصلاحات التنظيمية والابتكارات المالية لا تؤدي إلى آثار سلبية. التحدي يكمن في تحقيق توازن بين التوسع وإدارة المخاطر، وهو شرط أساسي لجعل 2025 سنة النضج لبورصة الدار البيضاء وللسوق المالي المغربي بشكل عام.