اقتصادكم
في خطوة تنظيمية غير مسبوقة منذ ثلاثة عقود، جاء مشروع القانون 03.25 ليعيد هيكلة نظام تدبير الأصول الجماعي بالمغرب، معلناً عن ميلاد جيل جديد من صناديق الاستثمار، أكثر مرونة، أوسع تنوعاً، وأشد أماناً. هدف الإصلاح واضح: تحويل هيئات التوظيف الجماعي في القيم المنقولة إلى أداة عصرية، فعالة وآمنة في خدمة تمويل الاقتصاد الوطني.
إصلاح جذري
قدمت وزيرة الاقتصاد والمالية هذا المشروع أمام البرلمان، الذي يُعدّ بمثابة إعادة بناء شاملة لمنظومة صناديق الاستثمار، حيث يعوّض الإطار القانوني لعام 1993 بالكامل، رافعاً عدد مواده إلى 207 مادة بدل 126 سابقاً.
لكن المشروع لا يكتفي بسدّ ثغرات سابقة، بل يسعى لإعادة تصميم المشهد الاستثماري، بفتح الباب أمام استراتيجيات مالية أكثر تعقيداً، ومنتجات مبتكرة، وتجزئة أدقّ لشرائح المستثمرين، مع ضمان حماية أكبر لرؤوس الأموال.
وعلق أحد المهنيين في القطاع، لجريدة "فينونس نيوز"، قائلاً:"لقد خرجنا أخيراً من جمود تشريعي دام 30 عاماً. هذه الإصلاحات تمنحنا أدوات تصميم منتجات مبتكرة، تستجيب لحاجيات المؤسسات كما الأفراد."
هندسة جديدة لصناديق الاستثمار
يُدخِل القانون مفهوماً معمارياً مرناً لصناديق الاستثمار، حيث يتيح إنشاء:
هذه الخيارات تسمح بتكييف الأدوات حسب درجة المخاطر وأفق الاستثمار لكل مستثمر، مما يتيح الانتقال من منطق النمط الواحد إلى منطق "البناء المخصص".
أدوات مالية جديدة وتوسيع لنطاق الاستثمار
أحد التغييرات الرئيسية يكمن في فتح المجال أمام الأدوات المالية المشتقة، وأصول التمويل التشاركي، وأوراق مالية أجنبية. وهذا التوسّع مشروط بتشديد قواعد السلامة، خصوصاً من حيث السيولة، التقييم، والتعرض المفرط لمُصدر واحد.
ضمانات أوفى للمستثمرين
الجانب الوقائي لم يُغفل. فقد أدخل القانون أدوات لحماية المستثمرين مثل:
ويسمح الميكانيزم الجديد بحماية سيولة الصندوق دون أن يدفع الجميع ثمن مشكلات استثنائية، وهي نقلة نوعية في الإدارة الاحترافية.
رقابة حازمة
في إطار تعزيز الشفافية، يرسّخ المشروع دور الهيئة المغربية لسوق الرساميل (AMMC) كمراقب أولي. إذ يُشترط الحصول على تأشيرة مسبقة لكل إنشاء أو تعديل أو حلّ لصندوق، إلى جانب إلزام الشركات بتوثيق سياسات تقييم الأصول، والتحكم في المخاطر، واختيار الأدوات.
كما يُعاد تعريف دور المودعين ويوسع نطاق مسؤولياتهم، لا سيما في التعامل مع المستثمرين المؤهلين.
مؤسسات كبرى أمام أفق أوسع
هذا الإصلاح يُعدّ نقلة استراتيجية للمؤسسات المالية الكبرى مثل صناديق التقاعد، شركات التأمين، والبنوك، التي كانت بحاجة إلى إطار قانوني يُمكّنها من التعرّض لاستراتيجيات معقّدة تشمل العملات الأجنبية أو المؤشرات الدولية، مع توفير الأمان القانوني اللازم.
وأضاف المتحدث ذاته أن "المرحلة المقبلة تتطلب إعادة تأهيل الكفاءات، تحديث الأنظمة المعلوماتية، وإعادة هندسة سلسلة القيمة كاملة، من التهيئة القانونية إلى التوزيع".
إصلاح في وقته
في ظل تضاعف الأصول المدارة خلال العقد الأخير لتبلغ نحو 750 مليار درهم بحلول 2025، يأتي القانون 03.25 في وقته، لتزويد السوق برؤية أوضح، أدوات أكثر نجاعة، وضمانات أكبر، شريطة أن تكون الجهات الفاعلة على قدر التحدي في التنفيذ.
أبرز الهياكل الجديدة التي أتى بها مشروع القانون 03.25
من بين أبرز المستجدات التي جاء بها مشروع القانون 03.25، إدراج هياكل جديدة لصناديق التوظيف الجماعي لم تكن موجودة سابقاً في الإطار القانوني المغربي. تهدف هذه الهياكل إلى تحسين ملاءمة المنتجات الاستثمارية مع ملفات المستثمرين المختلفة، وتمكين السوق من مواكبة المعايير والممارسات الدولية.
أولى هذه الهياكل هي صناديق رئيسية وصناديق فرعية (fonds maîtres/nourriciers)، والتي تسمح بتركيز الإدارة في صندوق رئيسي، في حين تتابع صناديق فرعية نفس الاستراتيجية الاستثمارية. وتُعد هذه البنية مناسبة للإدارة في إطار مفتوح أو بين شركات تابعة، حيث تتيح ترشيد الموارد وتعزيز الكفاءة التشغيلية.
كما تم إدراج صناديق متعددة الأقسام (OPCVM à compartiments)، وهي صناديق قادرة على استيعاب عدة أقسام داخل هيكل واحد، مع كل قسم يتبع استراتيجية مختلفة، أو مؤشر مرجعي خاص، أو سياسة تدبير متميزة. وتُفيد هذه الصناديق في تنويع العروض وتوجيهها بدقة نحو فئات مختلفة من المستثمرين، سواء كانوا مؤسساتيين أو أفراداً أو مستثمرين في مجالات مستدامة مثل ESG.
إضافة إلى ذلك، يسمح القانون بإحداث صناديق بصيغة مضمونة أو محددة الأداء (fonds à formule / à capital garanti)، والتي تقدم أداءً متوقعاً سلفاً، غالباً ما يكون مرتبطاً بأصل مالي معين، مع إمكانية ضمان جزئي أو كامل لرأس المال عند الاستحقاق، ما يجعلها مناسبة للمستثمرين الذين يبحثون عن الحماية.
وأخيراً، يُعترف لأول مرة في القانون المغربي بـ صناديق المؤشرات المتداولة (ETF)، وهي أدوات استثمارية مدرجة في البورصة، تُحاكي أداء مؤشر معين، وتُوفر للمستثمرين ميزة السيولة العالية من خلال إمكانية تداولها في السوق الثانوية، ما يعزز تنوع الخيارات الاستثمارية أمام كل من المستثمرين المؤسساتيين والأفراد.