أزمة اليد العاملة في القطاع الفلاحي.. بين التحديات والبدائل الممكنة

الاقتصاد الوطني - 01-02-2025

أزمة اليد العاملة في القطاع الفلاحي.. بين التحديات والبدائل الممكنة

اقتصادكم

 

يعيش القطاع الفلاحي تحديات متزايدة بسبب تراجع اليد العاملة، مما ينعكس سلبًا على استدامته وإنتاجيته ومردوديته، ويعزى هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها الهجرة القروية، وشيخوخة اليد العاملة، بالإضافة إلى التحولات الاجتماعية التي يشهدها الوسط القروي.

وحسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، المنجزة من طرف المندوبية السامية للتخطيط، فقد شهد الوسط القروي زيادة ضعيفة في عدد السكان بمعدل نمو سنوي بلغ 0.22% فقط، وهو ما يعكس تراجع جاذبية هذه المناطق، خاصة لدى الشباب الذين يفضلون الانتقال إلى المدن بحثًا عن فرص عمل أفضل وخدمات أكثر تطورا، ويؤدي هذا النقص إلى انخفاض عدد الناشطين في الوسط القروي، مما يسبب فجوة في سوق العمل بالمناطق القروية.

وقد شهد الوسط القروي انخفاضا في متوسط عدد أفراد الأسرة من 5.3 إلى 4.4 فرد، مما يعكس هذا التراجع  إلى تغيرات في نمط الحياة الريفية، وتراجع الاهتمام بالفلاحة كمصدر رئيسي للدخل، بالإضافة إلى أن الأسر أصبحت تميل إلى تكوين أسر صغيرة.

وفي هذا الاتجاه أوضح  ميلود لخضر، خبير في المجال الفلاحي، أن هناك عدة أسباب رئيسية وراء تراجع اليد العاملة في القطاع الفلاحي خلال السنوات الأخيرة في المغرب، ومن أبرز هذه الأسباب هجرة الشباب من العالم القروي إلى المدن، حيث يبحثون عن فرص عمل أفضل وأسلوب حياة أكثر حداثة، بالإضافة إلى ذلك، أدى توالي سنوات الجفاف إلى تراجع إنتاجية الأراضي الفلاحية، مما أثر سلبًا على دخل الفلاحين. كما تلعب التغيرات المناخية دورًا هامًا في هذا التراجع، إذ تؤثر على الظروف المجالية والتربة، مما يضعف الإنتاجية ويحدّ من القدرة على الإنتاج.  

وأشار لخضر، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، إلى أن نقص اليد العاملة في المجال الفلاحي ينعكس سلبًا على المردودية وجودة الإنتاج. فمع قلة العمال، يصبح من الصعب على الفلاحين إدارة الأراضي وزراعاتهم بشكل فعال، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية وتأخير عمليات الزراعة، وهو ما يؤثر مباشرة على جودة المحاصيل. كما أن هذا النقص يدفع الفلاحين إلى زيادة استخدام المبيدات الحشرية لتعويض النقص البشري، مما قد يضر بجودة المنتجات الفلاحية. علاوة على ذلك، يحدّ هذا الوضع من استخدام الأساليب الزراعية الحديثة، ما يرفع من تكاليف الإنتاج ويزيد الأعباء المالية على الفلاحين.  

وفيما يتعلق بإمكانية تعويض النقص في اليد العاملة بالتكنولوجيا الفلاحية والمكننة، أكد الخبير الفلاحي، أن هذه الحلول يمكن أن تساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل وتقليل التكاليف، لكنها لا تشكل حلًا كاملًا للمشكلة، فمن خلال الزراعة الدقيقة، مثل استخدام الطائرات بدون طيار في زراعة البذور، يمكن تحسين كفاءة المحاصيل، بالإضافة إلى أنظمة السقي الموضعي التي تساعد على ترشيد استخدام المياه وضمان نجاعة التسميد. كما أن اعتماد الآلات الحديثة يسهم في تسريع عمليات الزراعة، مثل نظام الزرع المباشر الذي يعتمد على بذّارات ذكية.  

وفي إطار إستراتيجية "الجيل الأخضر"، التي أطلقها المغرب مؤخرًا، تم التركيز على تأهيل الموارد البشرية في العالم القروي عبر إحداث فرص شغل قارة تعتمد على تطوير مشاريع تعاونية في مختلف سلاسل الإنتاج المحلية.

وأوضح لخضر، أن الحكومة تسعى من خلال هذه الاستراتيجية إلى بلورة رؤية مستدامة تستند إلى دعم الشباب في العالم القروي وتمكينهم من إطلاق مشاريعهم الخاصة، إلى جانب توفير تكوين شامل لمواجهة تحديات القطاع الفلاحي، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي يشهدها المغرب، وأكد أن الاستثمار في الشباب في العالم القروي يشكل ركيزة أساسية لضمان استدامة الفلاحة، وهو ما تعمل عليه مختلف الجهات المعنية لدعم القطاع وتعزيز مكانته في الاقتصاد الوطني.