المغرب بين الاستقرار والإنتاجية.. نجاح صامت أم طموح مقيّد؟

الاقتصاد الوطني - 28-12-2025

المغرب بين الاستقرار والإنتاجية.. نجاح صامت أم طموح مقيّد؟

اقتصادكم - أسامة الداودي

في سياق إقليمي مضطرب يتسم بتقلبات اقتصادية وضغوط اجتماعية متزايدة، يُعاد طرح موقع المغرب التنموي للنقاش، بين اعتباره نموذجًا للاستقرار والإصلاح التدريجي، وبين التساؤل حول حدود هذا النموذج وقدرته على تحقيق نمو شامل ومستدام.

في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي الدولي، الحسن عاشي، أن النقاش الدائر حول ما إذا كان المغرب يمثل “قصة نجاح صامتة” في المنطقة لم يعد نقاشا انطباعيًا، بل أصبح مؤطرًا بمعطيات بنيوية دقيقة تُظهر أن النموذج التنموي المعتمد بلغ سقفا هيكليا يصعب تجاوزه بالآليات نفسها، رغم ما يتيحه من استقرار سياسي وإصلاحات تدريجية.

وأفاد الحسن عاشي، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، بأن محدودية الإنتاجية وضعف دينامية سوق الشغل، خصوصًا في ما يتعلق بإدماج الشباب وحاملي الشهادات، لا يمكن اعتبارهما اختلالات ظرفية أو عابرة، بل يعكسان حدود الصيغة الحالية للنموذج التنموي، وهو ما أقرّت به مؤسسات رسمية في تقاريرها الاستراتيجية.

وذكر أن تقرير النموذج التنموي الجديد الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلص بوضوح إلى أن المسار التنموي القائم استنفد إمكاناته، وأن الاستمرار بالمنطق نفسه لن يفضي إلى تحقيق طموحات أعلى، سواء على مستوى معدلات النمو، أو العدالة الاجتماعية، أو جودة فرص الشغل.

وأبرز الخبير الاقتصادي الدولي أن جوهر الإشكال لا يرتبط بعامل واحد، بل باختلالات بنيوية متراكمة جعلت التنمية تسير بسرعات متفاوتة داخل البلاد، حيث تستفيد مجالات وقطاعات محددة من ثمار النمو، بينما يظل أثره ضعيفًا على التشغيل وتحسين شروط العيش لدى فئات واسعة من السكان.

واسترسل عاشي قائلاً إن وجود نظام امتيازات يحدّ من المنافسة ويُضعف مبدأ تكافؤ الفرص بين الفاعلين الاقتصاديين، إلى جانب قيود تنظيمية ومؤسساتية تكبّل المبادرة الخاصة، يؤدي إلى تقليص فعالية الاستثمار المنتج، ويحدّ من القدرة على رفع الإنتاجية بشكل مستدام.

كما أورد أن التجارب المقارنة لدول نجحت في تجاوز مرحلة الاستقرار المحدود إلى نمو سريع، مثل كوريا الجنوبية أو فيتنام، تُظهر أن تفكيك الامتيازات، وتعزيز المنافسة، وربط الحوافز بالأداء الإنتاجي، كانت عناصر حاسمة في تحقيق قفزات تنموية نوعية.

وشدد على أن الإشكال التنموي في المغرب لا يمكن فصله عن البعد الاجتماعي، إذ تُبرز الأبحاث المنجزة من طرف المندوبية السامية للتخطيط أن فئات واسعة من السكان لا تزال محرومة من الشروط الفعلية للمشاركة الكاملة في الدينامية الاقتصادية، بسبب هشاشة سوق الشغل وتدنّي جودة التعليم والتكوين.

وأوضح أن ضعف إدماج النساء في النشاط الاقتصادي، إلى جانب العزلة البنيوية التي يعاني منها العالم القروي، يفاقمان من طابع النمو المُجزّأ، ويحدان من أثره الاجتماعي، رغم الجهود المبذولة على مستوى الاستثمارات والبنيات التحتية.

وتطرق المتحدث عينه إلى تطور بطالة حاملي الشهادات، مشيرًا إلى أنها تمثل أحد أبرز مظاهر الاختلال البنيوي، إذ ارتفعت نسبة العاطلين من ذوي التعليم العالي من 20 في المائة سنة 2000 إلى 44 في المائة سنة 2024، مع تضاعف عددهم بنحو 2.5 مرة، مقابل ارتفاع محدود في العدد الإجمالي للعاطلين.

وأشار إلى أن الوضع يزداد حدة في صفوف النساء، اللواتي يواجهن ازدواجية الإقصاء، سواء من حيث ضعف الولوج إلى سوق الشغل أو ارتفاع معدلات البطالة، التي تبلغ نحو 34 في المائة لدى الحاصلات على تعليم عالٍ، ما يعكس فجوة هيكلية في الإدماج الاقتصادي.

وأضاف عاشي أن تجاوز هذا الوضع يتطلب استثمارًا مكثفا وممنهجا في رأس المال البشري، وربطًا أوثق بين السياسات الاجتماعية والتحول الإنتاجي، بما يجعل الإدماج الاقتصادي محورًا مركزيًا لأي مشروع تنموي مستدام.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن الرهان الحقيقي لا يكمن في الحفاظ على الاستقرار فقط، بل في الانتقال نحو نموذج تنموي قادر على رفع الإنتاجية، وتوسيع قاعدة المشاركة الاقتصادية، وتحويل النمو من مسار محدود الأثر إلى دينامية شاملة تُترجم إلى فرص شغل لائقة وتحسن ملموس في مستويات العيش.

وزاد موضحًا أن المغرب يمتلك مقومات مهمة للنجاح، غير أن تفعيلها يظل مشروطًا بإصلاحات هيكلية عميقة تمس بنية الاقتصاد، ومنظومة المنافسة، وجودة التعليم، بما يفتح أفقا جديدًا لطموح تنموي يتجاوز منطق “النجاح الصامت” إلى تنمية فعلية جامعة ومستدامة.