المغرب يتخذ حزمة من التدابير لمواجهة عجز الميزان التجاري

الاقتصاد الوطني - 27-11-2025

المغرب يتخذ حزمة من التدابير لمواجهة عجز الميزان التجاري

اقتصادكم


اتخذ المغرب مجموعة من الخطوات لتقليص عجز الميزان التجاري أمام تفاقمه واستمراره كأحد الاختلالات البنيوية المزمنة في الاقتصاد الوطني، حيث اتجهت المملكة نحو اتخاذ سلسلة من التدابير الاستراتيجية التي تهدف إلى احتواء هذا العجز، والحد من تداعياته على توازنات الاقتصاد الكلي، من خلال التركيز على دعم الإنتاج الوطني الموجه للتصدير، وتشجيع تعويض الواردات، وتطوير البنيات التحتية المرتبطة بالتجارة الدولية، وتعزيز انفتاح المغرب على الأسواق الإفريقية الصاعدة.

وحسب دراسة لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، فقد تم إطلاق الميثاق الجديد للاستثمار سنة 2022، والذي يشكل تحولا نوعيا في سياسة الجذب الاستثماري، حيث تم التركيز على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو القطاعات المنتجة والقابلة للتصدير، عبر تحفيزات مالية وضريبية موجهة، وتبسيط المساطر الإدارية، وربط الدعم العمومي بمدى تأثير المشاريع على التشغيل والتوازنات المجالية، وهي خطوة أساسية نحو إعادة توجيه الاستثمارات نحو أولويات النمو الاقتصادي.

كما تم دعم القطاعات الصناعية ذات القيمة المضافة العالية والإمكانات التصديرية القوية، وعلى رأسها صناعة السيارات، التي أصبحت في السنوات الأخيرة أول قطاع مصدر في المغرب، إلى جانب الطيران، والصناعات الغذائية، والطاقات المتجددة، حيث تم توفير مناطق صناعية متخصصة، وتشجيع التكامل بين المستثمرين المحليين والدوليين، بهدف تعزيز تموقع المغرب ضمن سلاسل القيمة العالمية، وتخفيف اعتماده على القطاعات التقليدية مثل الفوسفاط والفلاحة.

ومن بين أهم الحلول التي اتجه نحو المغرب كذلك، اعتماد برنامج صنع في المغرب، مع إطلاق برامج لتعويض الواردات، خاصة في القطاعات التي يمتلك فيها المغرب قدرات صناعية واعدة، مثل النسيج، والصناعات الدوائية، والتجهيزات الإلكترونية، وذلك من خلال تقديم دعم مباشر للمقاولات المنتجة، وتسهيل الولوج إلى التمويل والأسواق، وتحفيز الاستهلاك الوطني للمنتجات المحلية.

وأشارت الدراسة إلى أن المملكة أطلت خارطة طريق التجارة الخارجية 2027-2025، التي تهدف الى توسيع قاعدة التصدير بإضافة 400 مصدر جديد سنويا، ورفع قيمة الصادرات المغربية بمقدار 80 مليار درهم سنويا.

هذا علاوة على توسيع الشراكات التجارية مع الدول الإفريقية جنوب الصحراء، في إطار رؤية استراتيجية تجعل من المغرب فاعلا اقتصاديا قاريا، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية، وتسهيل ولوج المقاولات المغربية إلى أسواق إفريقية واعدة، خاصة في مجالات البناء، الاتصالات، الأبناك، والتوزيع، مما ساهم في تعزيز التبادل التجاري وتنويع الوجهات التصديرية بعيدا عن التركيز التقليدي على أوروبا.

وعلى ضوء التدابير المتخذة، يهدف المغرب أيضا، إلى الارتقاء بالبنيات التحتية، حيث عرفت البلاذ تطورا كبيرا في القطاع اللوجستي والموانئ، خصوصا مع تطوير ميناء طنجة المتوسط الذي أصبح من أكبر الموانئ في إفريقيا ومنصة محورية في التجارة البحرية العالمية، بفضل طاقته الاستيعابية العالية وربطه المباشر بأكثر من 180 ميناء في القارات الخمس، وهو ما يمنح المغرب ميزة تنافسية حقيقية في مجال الخدمات اللوجستيكية والتصدير السريع.

ولفتت مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، إلى أن المغرب سار نحو تنزيل مشاريع الانتقال الطاقي والاعتماد على الطاقات المتجددة (الريحية، الشمسية، الهديروجين الأخضر)، حيث يهدف المغرب الى تحقيق 52 في المئة من الطاقات المتجددة في مزيجه الطاقي بحلول ً2030، وذلك بهدف تقليص الفاتورة الطاقية، التي تشكل الجزء الأكبر من عجز الميزان التجاري. 

وتعكس هذه التدابير إرادة سياسية واضحة لتقليص العجز التجاري، لكنها تظل بحاجة إلى مزيد من الفعالية، والتنسيق بين مختلف الفاعلين، وتتطلب أيضا تتبعا دقيقا للأثر الاقتصادي والاجتماعي لكل برنامج، حتى تتحول هذه المبادرات إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، وتساهم فعلا في تصحيح اختلالات الميزان التجاري بشكل مستدام.

وخلصت الدراسة إلى رفع توصيات، تروم إلى تقليص التحديات المتعددة التي يطرحها عجز الميزان التجاري، والذي لا يمكن تجاوزه بالحلول الظرفية أو عبر التعديلات التقنية المعزولة، حيث تبرز الحاجة إلى رؤية استراتيجية متكاملة ترتكز على إصلاحات عميقة، وعلى تعبئة شاملة للقدرات الوطنية، بهدف بناء اقتصاد أكثر إنتاجا،وتنافسية، وارتباطا بالتحولات العالمية، وهو ما يقضي بتبني حزمة من التوصيات التي من شأنها تقليص العجز التجاري بشكل تدريجي ومستدام، وتحقيق نوع من التوازن الهيكلي بين الطلب الداخلي والعرض الوطني، منها الاعتماد على التصنيع الاستراتيجي كأولوية قصوى، حيث يقتضي توجيه الاستثمارات نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والمحتوى التكنولوجي المتقدم، مثل الصناعات الإلكترونية، والصناعات التحويلية المتقدمة، والتكنولوجيات النظيفة، بما يسمح بتوسيع قاعدة العرض القابل للتصدير، وتقليص اللجوء إلى الواردات المكلفة، وتحفيز الاندماج في سلاسل الإنتاج العالمية، كما أن هذا التوجه سيسهم في خلق فرص شغل نوعية، وتحقيق نمو اقتصادي مدمج وموزع جغرافيا.

بالإضافة إلى تحقيق السيادة الغذائية والطاقية، من خلال تسريع وتيرة برامج الفلاحة الذكية وتحديث السلاسل الفلاحية، مع التركيز على تنمية الفلاحة الموجهة للاستهلاك المحلي والتصنيع الغذائي، بالتوازي مع تطوير الطاقات المتجددة، وخاصة مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية، لما توفره من فرص استراتيجية لتقليص الفاتورة الطاقية، وتصدير فائض الطاقة النظيفة إلى أوروبا وإفريقيا، وهو ما سيمكن المغرب من تحويل التحديات المناخية إلى فرص للنمو المستدام.

وأوصت الدراسة كذلك بتحفيز النسيج المقاولاتي، حيث تبرز الحاجة الملحة إلى دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة في ولوجها إلى الأسواق الدولية، وذلك من خلال إحداث مراكز موحدة للمواكبة والتوجيه، وتسهيل الولوج إلى التمويل المرتبط بالتصدير، وربط ذلك بدبلوماسية اقتصادية نشيطة تعمل على فتح الأسواق الخارجية أمام المنتجات المغربية، وتقديم الدعم اللازم للتموقع الجيد داخل التكتلات الاقتصادية الإقليمية، خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء.