كيف تروج الخيول لاقتصاد خفي؟ وما هي تحدياته؟

الاقتصاد الوطني - 30-12-2025

كيف تروج الخيول لاقتصاد خفي؟ وما هي تحدياته؟

 

اقتصادكم- عبد الصمد واحمودو

يدفع حب الخيول عددا كبيرا من الناس إلى اقتناء حصان متى توفرت الإمكانيات، بينما يتجه آخرون، في حال عدم القدرة على الشراء، إلى نوادي الفروسية، حيث يجد عشاق هذا الحيوان شغفهم من خلال الاحتكاك المباشر بالخيول والتفاعل معها. في المقابل، يختار بعض الهواة ممن لا تسمح لهم ظروفهم بالانخراط في هذه النوادي، الحفاظ على صلتهم المفضلة بالخيول عبر الجولات الترفيهية على الشواطئ أو في الغابات، ممتطين صهوات الخيل في جولات استجمامية تمتد من ساعة إلى ساعتين، مقابل ما لا يقل عن 150 درهما للشخص الواحد.

وتسهم الخيول، من خلال استعمالاتها الترفيهية المتعددة، سواء في التبوريدة (الفنتازيا)، أو السباقات المنظمة من طرف الشركة الملكية لتشجيع الفرس، أو داخل نوادي الفروسية التي تقدم خدمات تعليم ركوب الخيل، بما فيها القفز على الحواجز، في خلق دورة اقتصادية غير ظاهرة للعين المجردة، لكنها واضحة المعالم بالنسبة للمشتغلين في هذا القطاع المدر للدخل.

وباعتبار الخيول قاطرة لاقتصاد غير ظاهر، فإن أوجه هذا الاقتصاد متعددة، حيث يجر الحصان وراءه عدداً من القطاعات والمهن والأنشطة التجارية. ففي مجال التبوريدة، على سبيل المثال، نجد مجموعة من المهن التقليدية المرتبطة بصناعة السروج، والبنادق التقليدية (المكاحل)، إلى جانب صناعة اللباس التقليدي.

وبعيداً عن التبوريدة، ترتبط الخيول بصفة عامة بعدد من الأنشطة التجارية والخدماتية، في مختلف استعمالاتها، إذ لا يمكن لمالك الخيل الاستغناء عن خدمات الطبيب البيطري، أو الحداد، المعروف في الدارجة بـ“السمّار”، وهو تقني متخصص في العناية بحوافر الخيول وتهذيبها، إضافة إلى تجار الأعلاف الذين يشكلون الشريك الدائم لكل مربي أو مالك حصان.

كما تعد سباقات الخيول محركاً اقتصادياً مهماً، لما توفره من فرص شغل مباشرة وغير مباشرة، فضلاً عن دورها في تنشيط قطاع المراهنات.

وتعد التجارة في الخيول بدورها جانباً أساسياً من هذا الاقتصاد، حيث تُباع الخيول أحياناً بأثمان مرتفعة في الأسواق الشعبية المعروفة وطنياً بهذا النوع من التجارة، مثل سوق سطات، وسوق الخميسات، وسوق أربعاء القفاف. وتشهد هذه الملتقيات الأسبوعية رواجا كبيرا في بيع وشراء الخيول، إذ تختلف الأسعار حسب المواصفات، والشروط، والسلالة، ومدى توفر الحصان أو الفرس على دفتر التعريف.

وخلال السنوات الأخيرة، ومع تزايد الاهتمام بقطاع الخيول، أصبح هذا المجال محط أنظار متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، حيث برز صناع محتوى متخصصون في عالم الخيول، ما منح القطاع إشعاعاً أكبر، وساهم في نشر المعرفة والثقافة المرتبطة بتربية الخيول والعناية بها، ومنح دفعة قوية لهذا المجال.

ومع هذا التطور، لم تعد تجارة الخيول مقتصرة على الأسواق الشعبية الأسبوعية، بل ظهرت منصة إلكترونية متخصصة في بيع وشراء الخيول، تُعنى بجميع التفاصيل المتعلقة بهذا النشاط التجاري، في انسجام مع التحول الرقمي الذي يشهده القطاع.

في هذا السياق، كشف حمزة كمال، مؤسس هذه المنصة، في تصريح لـ“اقتصادكم”، أنه “خلال ربيع سنة 2022، وخلال موسم مولاي عبد الله أمغار، تابعت عن قرب عرضاً لبيع أحد الخيول، حيث عُقدت الصفقة بمبلغ 15 مليون سنتيم. عندها راودتني فكرة مفادها أن هذا الحصان، لو حظي بتسويق جيد، لكان من الممكن أن يُباع بثمن أعلى، قد يصل إلى 20 مليون سنتيم أو أكثر”.

وأوضح كمال أن “هذا التساؤل قاده إلى البحث عن أسباب بيع بعض الخيول بأقل من قيمتها الحقيقية، ليخلص إلى أن المشكل الأساسي يكمن في ضعف التسويق وغياب الظهور، إذ إن عدداً كبيراً من الخيول الجيدة لا يتم عرضها على نطاق واسع، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر منصات إلكترونية متخصصة. كما أن بعض المربين لا يرغبون في إدخال خيولهم إلى السوق التقليدي، ما يصعّب عملية البيع، خاصة بالنسبة للمشترين الذين لا يتوفرون على الخبرة الكافية لتقييم جودة الخيل”.

وأضاف أن “هذه الإشكالات دفعت إلى بلورة فكرة إنشاء سوق رقمي خاص بالخيول، يكون بسيطاً وسهل الولوج، ويُمكّن المربين من عرض خيولهم دون عناء، مع توفير محتوى مرئي احترافي يبرز قيمة الخيل ويساعد على تسويقها بشكل أفضل”.

وأفاد كمال أنه “تم الشروع في جرد الخيول بالمغرب، ثم جرد المدن والمربين، قبل إطلاق المنصة الرقمية. وفي المراحل الأولى، تلقينا دعماً من بعض صناع المحتوى، من بينهم ياسر فلوغ، وأشرف قيصر، والحجار الرامي، الذين ساهموا في التسويق الأولي، قبل أن نواصل العمل بأنفسنا عبر إنتاج محتوى رقمي منتظم، ما ساهم في توسيع قاعدة الجمهور والتعريف أكثر بعالم الخيول بالمغرب”.

وأشار إلى أن “المنصة حققت نتائج مهمة، حيث تم بيع أكثر من 1100 حصان عبرها، كما نجحت، بصفتها وسيطاً، في إتمام بيع حوالي 120 حصاناً بشكل مباشر. وعلى مستوى المربين، ساهمت المنصة في إدماج عدد كبير منهم، حيث ارتفع عدد المسجلين بشكل ملحوظ، إضافة إلى أشخاص يملكون حصاناً أو حصانين ولم يكونوا يُحتسبون سابقاً كمربين”.

وكشف المتحدث أن فريق العمل يشتغل حالياً على توسيع خدمات المنصة لتشمل فرص عمل مرتبطة بمجال الخيل، عبر تمكين المهنيين من عرض خدماتهم وربطهم بالمهتمين بهذا القطاع.

ومن جهته، أوضح يونس أنكيط، مروض ومدرب خيول إسبانية على الحركات البهلوانية، في تصريح لـ“اقتصادكم”، أن هذا الصنف من الخيول يساهم في تنشيط دورة اقتصادية متكاملة، من خلال سلسلة من الأنشطة المرتبطة به، تشمل إنتاج وبيع الخيول محلياً ودولياً بقيمة عالية، إلى جانب الخدمات المرافقة مثل البيطرة، والتدريب، والنقل، وهي أنشطة توفر فرص شغل متعددة.

وأضاف أن هذه الخيول تلعب دوراً مهماً في جذب السياح عبر العروض الرياضية والمعارض، مؤكداً أن “الخيول محرك اقتصادي يخلق مناصب شغل، ويعزز السياحة، والصناعة، ويحافظ على التراث”.

من جانبه، كشف علاء الدين خدري، صاحب مشروع خدماتي صغير محوره الخيول، ينظم جولات ترفيهية على صهوة الخيل بشاطئ دار بوعزة، أن “التوفر على مشروع أو فضاء كبير يتطلب تجهيزات وإمكانات مالية مهمة”. وأضاف: “نحن شباب نحاول التعاون فيما بيننا، ونساهم بما نستطيع من مال وجهد مقابل تحقيق دخل من مشروع محوره الخيول، غير أن ذلك يظل غير كافٍ”.

وأوضح أن “النشاط يكون أفضل نسبياً خلال فصل الصيف، بينما يعرف تراجعاً كبيراً في فصل الشتاء بسبب انخفاض درجات الحرارة، في حين تستمر التكاليف دون توقف”.

وأشار خدري إلى أن القطاع يواجه تحديات كبيرة، أبرزها الارتفاع المهول لكلفة الأعلاف، في ظل غياب أي دعم أو مواكبة، مؤكداً أنه “لا توجد جمعية أو جهة مسؤولة تقدم المساعدة، ولو بشكل جزئي، ما يصعّب الاستمرار وتطوير المشروع”. وأضاف أن “المداخيل الحالية لا تغطي سوى جزء محدود من المصاريف، وأحياناً لا تكفي حتى لأداء أجور المستخدمين، مما يعيق أي تفكير في التوسع”.

وأوضح أنه في بعض الحالات، يتم اللجوء إلى ممول أو شريك يساهم بمبلغ شهري يتراوح بين 1500 و2000 درهم، يُخصص لتسيير الفضاء وتغطية بعض النفقات، غير أن الإشكال الأساسي يظل قائماً بسبب الارتفاع الكبير في كلفة الأعلاف.

وتابع قائلا: “نواجه أيضاً إكراهات قانونية وإدارية، سواء المتعلقة بالعمل في الشاطئ أو بنقل الخيول، حيث تطرح مشاكل مرتبطة بالرخص والمساطر، إلى جانب المراقبة اليومية، ما يزيد من تعقيد الوضع. نحن نشتغل بإمكانيات محدودة ونبذل مجهوداً كبيراً من أجل الاستمرار، لكن غياب الدعم وارتفاع التكاليف يهددان استمرارية هذا النشاط”.