اقتصادكم
استبق بنك المغرب احتمال تفاقم زيادة تكلفة اقتراضه من السوق المحلية، باللجوء إلى آلية لم يسبق أن استخدمها. يتعلق الأمر بشراء سندات في السوق الثانوية، في مسعى منه لتهدئة سوق أدوات الدين، وإتاحة سيولة وفيرة بها، بعد أن رفع سعر الفائدة مرتين العام الماضي لمواجهة التضخم المستعر.
الآلية الجديدة تم تفعيلها خلال الأسبوع الماضي، وتمثلت في شراء البنك المركزي لسندات خزينة في السوق الثانوية من البنوك بقيمة 15 مليار درهم، وذلك لأول مرة في تاريخه. ووصل متوسط أجل استحقاق السندات التي اشتراها 6 أشهر ونصف، ومعدل عائد يصل إلى 3.34%.
وقام الإثنين الماضي، بعملية مماثلة واشترى سندات بقيمة 1.3 مليار درهم من البنوك بأجل استحقاق يناهز 3 أشهر، ومعدل عائد يصل إلى 3.16%.
ورغم أن قانونه الأساسي يسمح بذلك، إلا أن بنك المغرب لم يلجأ من قبل لأداة السياسة النقدية هذه، ما يؤشر على قرار استباقي لتفادي التأثير الكبير لقرارات رفع سعر الفائدة على السوق، وفق ما ذكره خبراء.
وقام بنك المغرب السنة الماضية برفع سعر الفائدة الرئيسي بـ100 نقطة إلى 2.5%، وهي المرة الأولى الذي لجأ فيها إلى زيادة الفائدة منذ 2008، كما لم يغيرها منذ يونيو 2020، عندما خفّضها بمقدار 50 نقطة إلى 1.5% لدعم الاقتصاد الوطني الذي تضرّر من أزمة كورونا.
وبحسب بنك المغرب دائما، يُتوقع أن يصل التضخم إلى 6.6% خلال العام الماضي، ارتفاعاً من 1.4% في 2021، مدفوعاً بتسارع وتيرة ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية التي ساهمت في وصول معدل التضخم في نوفمبر الماضي إلى مستوى غير مسبوق عند 8.3%.
وقال عمر باكو، الخبير الاقتصادي المتخصص في سياسة الصرف، في ترصيح لـ"بلومبرغ الشرق"، إن العملية التي قام بها بنك المغرب سينتج عنها ضخ سيولة جديدة في السوق النقدية، وأرجع هذه الخطوة غير المسبوقة إلى "ملاحظة البنك المركزي للجوء البنوك لرفع عائد أدوات تمويل الخزينة، بسبب التخوف من زيادة جديدة لسعر الفائدة مستقبلاً".
وحسب نشرات نتائج إصدار سندات الخزينة لوزارة الاقتصاد والمالية، ارتفع العائد على سندات الخزينة في الأسبوع الأول من العام الجاري مقارنة بنهاية 2022، حيث تراوحت الزيادة ما بين 21 نقطة إلى 161 نقطة أساس حسب أجل الاستحقاق.
السندات التي اشتراها بنك المغرب من البنوك في السوق الثانوية لأجل 6 أشهر، تراجع سعرها وارتفع عائدها من 3.07% في نهاية ديسمبر 2022 إلى 3.35% يوم 6 يناير الجاري، أي بزيادة 28 نقطة أساس، فيما قام بنك المغرب بشرائها عند عائد 3.34%.
ولجأت الدولة إلى الاقتراض من السوق المالية في السنة الماضية بفائدة منخفضة على نحو لا يعكس حقيقة وضع السوق، وهو الأمر الذي لم يرغب المستثمرون في استمراره ليقرروا مع بداية السنة تطبيق أسعار فائدة مرتفعة، وفق زكرياء كارتي، الخبير في القطاع البنكي.
ظاهرياً، يُفهم أن عملية بنك المغرب تدخل في إطار سياسة نقدية تيسيرية تناقض سياسته التشديدية القائمة على رفع سعر الفائدة الرئيسي، لكن عمر باكو أوضح أنها "عملية دقيقة يهدف من خلالها البنك المركزي لتفادي التأثير السلبي على تمويل الخزينة في السوق النقدية".
وأشار باكو إلى أن "الهدف الحقيقي لبنك المغرب هو مواكبة قرار رفع سعر الفائدة الرئيسي بعدما لاحظ أن ظروف تمويل الخزينة تأثرت سلباً، ليقرر طمأنة البنوك لكي تستمر في التمويل بشروط مناسبة دون رفع كبير لأسعار الفائدة، مقابل قيامه بشراء السندات كلما دعت الضرورة لذلك"، وهو ما يتفق عليه أيضاً كارتي الذي أفاد أن المركزي تدخّل لتصحيح خطأ لتشجيع استمرار شراء المستثمرين لسندات الخزينة.
وقد يعود السبب لاستخدام البنك المركزي لتلك الآلية هو حماية الادخار العمومي من تداعيات رفع سعر الفائدة الرئيسي، وأن شح السيولة في السوق أثر على المؤسسات الاستثمارية والمنظومة البنكية وبالتالي تمويل خزينة البلاد.
وأوضح أن بنك المغرب يسعى لخفض التضخم وقام برفع الفائدة العام الماضي، لكن لم ينعكس ذلك على سعر أدوات الدين الحكومية التي يجب أن توفر عائداً أعلى من مستوى التضخم.
وتؤثر هذه الخطوة سلباً على مؤسسات التأمين والتقاعد التي تدير أكثر من 800 مليار درهم، ولذلك يقوم الآن بإجراء التوازن بين الأمرين من خلال خطوة شراء السندات.
وأدى رفع الفائدة الرئيسي خلال السنة الماضية مرتين إلى 2.5% إلى انكماش السيولة في السوق الثانوية، وذلك نتيجة تراجع سعر السندات حتى أصبح المستثمرون في السوق غير قادرين على شرائها ولا بيعها.
وتترقب السوق ما سيقرره بنك المغرب في أول اجتماع لمجلسه خلال 2023، تحديدا في مارس المقبل، وما إذا كان سيستمر في رفع سعر الفائدة أو تثبيتها، لكن ذلك يظل رهيناً بما سيحقق معدل التضخم برسم دجنبر الماضي، بعدما ناهز في نونبر 8.3%.