اقتصادكم
يواجه المغرب تحديًا مزدوجًا في مجال الطاقة، يتمثل من جهة في اعتماده الكبير على الخارج من خلال الواردات، ومن جهة أخرى في الارتباط القوي بالطاقات الأحفورية، خاصة النفط والفحم.
وفي قلب هذا التحدي، يحتل قطاع الكهرباء مكانة مركزية باعتباره من أكثر القطاعات تأثرًا بندرة الموارد الطاقية وارتفاع تكاليفها. ولهذا، أجرى مجلس المنافسة دراسة تحليلية دقيقة حول واقع المنافسة في هذا القطاع الحيوي، مسلطًا الضوء على مكامن القوة والضعف، ومقترحًا خارطة طريق نحو مستقبل أكثر تنافسية واستدامة.
استجابة لمتطلبات الأمن الطاقي الوطني
وكشف تحليل مجلس المنافسة أن قطاع الكهرباء، وعلى الرغم من التحديات الكبرى التي يواجهها، استطاع بفضل السياسات العمومية المتعاقبة والإصلاحات البنيوية، أن يستجيب لمتطلبات الأمن الطاقي الوطني، ويجنب البلاد ما تعرفه دول أخرى من انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي أو عمليات تقنين.
ويُحسب لهذا القطاع تحقيقه لتعميم شبه كامل للولوج إلى الكهرباء، بفضل نجاح برنامج الكهربة القروية الشاملة، الذي مكّن من ربط نحو 13 مليون نسمة بالشبكة الكهربائية، مما رفع نسبة الكهربة إلى 99.89%. كما شكّل اعتماد الاستراتيجية الوطنية للطاقة سنة 2009 نقطة تحول مهمة، إذ فتح المجال أمام المغرب للتوجه نحو الطاقات المتجددة كمصدر بديل ومستدام.
تقدم مهم... ولكن؟
ورغم هذه الإنجازات المهمة، لاحظ مجلس المنافسة تباطؤًا في دينامية الإصلاحات الهادفة إلى جعل السوق أكثر تنافسية وجاذبية للاستثمار، وذلك بسبب محدودية النموذج الحالي. هذا النموذج لا يزال قائمًا بشكل كبير على إنتاج الكهرباء اعتمادًا على الطاقات الأحفورية، وعلى عقود طويلة الأمد لتوريد الطاقة، وهو ما لم يعد ملائمًا لمتطلبات السوق المتغيرة. كما يفرض هذا النموذج ضغطًا كبيرًا على مختلف مكونات القطاع، وخصوصًا على التوازنات المالية للفاعل التاريخي، المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
وفي هذا السياق، اعتبر المجلس أن إعادة النظر في النموذج الحالي أصبحت ضرورة ملحة من أجل تنشيط المنافسة في سوق إنتاج الكهرباء، وتسريع وتيرة الإصلاحات التي تم الشروع فيها. ويستلزم ذلك أيضًا مراجعة البنية التنظيمية للقطاع، خاصة وأن هيمنة المكتب الوطني على مختلف حلقات سلسلة القيمة لا تتيح الشفافية المطلوبة بخصوص التكلفة الحقيقية للطاقة الكهربائية.
ويقترح المجلس، ضمن هذا التوجه، إعادة تحديد دور ومهام المكتب الوطني للكهرباء، بما ينسجم مع متطلبات المرحلة الجديدة. ولتمكين المكتب من الاضطلاع بمهامه المستقبلية، من الضروري معالجة مشكلته المالية، خصوصًا المديونية الضخمة التي راكمها على مدى السنوات الماضية.
إجراءات معالجة الديون
وفي هذا الصدد، أوصى المجلس بمجموعة من الإجراءات لمعالجة مسألة الديون أبرزها إحداث كيان خاص يعنى بتدبير مديونية المكتب، سواء تلك المرتبطة بالجانب الاجتماعي أو الناتجة عن أنشطة الإنتاج أو بفعل الفارق بين أسعار البيع وتكاليف الإنتاج، وتحويل مديونية أنشطة التوزيع إلى الشركات الجهوية متعددة الخدمات، بالإضافة إلى الإبقاء على مديونية أنشطة النقل في عهدة المكتب الوطني للكهرباء باعتباره المسؤول عن تدبير الشبكة الوطنية للنقل.
وبعد إعادة هيكلة الدين، وفي إطار إعادة تحديد مهام المكتب، يقترح المجلس انسحاب تدريجي للمكتب الوطني للكهرباء من أنشطة الإنتاج والتوزيع، التي ستتولاها مستقبلاً الشركات الجهوية متعددة الخدمات، وتركيز المكتب الوطني للكهرباء على نشاط النقل باعتباره النشاط الاستراتيجي الذي يشرف من خلاله على الشبكة الوطنية لنقل الكهرباء.
وخلص المجلس في النهاية إلى ضرورة إنشاء هيئة تنظيم قوية ومستقلة عن الفاعلين العموميين والخواص، تضمن حسن اشتغال السوق، وخصوصًا فيما يتعلق بتكريس المنافسة العادلة والشفافة.