مهدي حبشي
ما إن سلط والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، الضوء على عجز الاستثمار المغربي عن خلق ما يكفي من فرص الشغل، وتحقيق الإقلاع الاقتصادي للمملكة، حتى أعلِن عن إطلاق ميثاق جديد للاستثمار في المغرب.
التعليمات الملكية القاضية باعتماد ميثاق تنافسي جديد للاستثمار الوطني، أتت خلال اليوم نفسه الذي شهد استضافة الملك محمد السادس لرئيس الحكومة، بهدف اتخاذ التدابير اللازمة لإنقاذ القطاع الفلاحي، الحيوي بالنسبة للاقتصاد المغربي، من شبح الجفاف. في إشارة سياسية واضحة على العناية التي يوليها الملك محمد السادس لخلق فرص الشغل وإقلاع الاقتصاد الوطني.
يأتي ذلك بعدما أماط والي بنك المغرب اللثام عن مفارقة غريبة؛ حين أكد أن المملكة، من جهة، تبذل جهودا استثمارية كافية من حيث الكم، إلا أنها لم تنعكس على اقتصادها، ولم تتح لها الالتحاق بركب الدول الصاعدة، وتحقيق الإقلاع الاقتصادي.
وأضاف الجواهري أن مستوى الاستثمار في المغرب يُعادل دولاً حققت "معجزات اقتصادية"، في حين يبقى تأثيره على خلق فرص الشغل جد ضعيف.
أين تكمن المشكلة؟
تشخيص الداء الذي يشكو منه الاستثمار المغربي، ويمنعه من تأدية وظائفه التنموية، ربما جاء في بعض التفاصيل التي تضمنها بلاغ الديوان الملكي، حين وضع في صميم توجهاته تغيير الواقع الاستثماري الراهن، الذي يمثل فيه الاستثمار الخاص نحو الثلث، فيما يستحوذ الاستثمار العمومي على الثلثين.
ووضع الميثاق الجديد ضِمن تصوره عكس الصورة، وتمكين الاستثمار الخاص من ثلثي الاستثمار الوطني في أفق سنة 2035.
من جهته لا يرى محمد الشيكر، رئيس مركز الدراسات والأبحاث "عزيز بلال"، أن المشكلة تكمن في هيمنة الاستثمار العمومي على الخاص: "يسير المغرب منذ التسعينيات في سياسة تحرير الاقتصاد، ودفع القطاع الخاص لتحمل مسؤوليات أكبر كرافعة اقتصادية للبلاد، لكن هذا الأخير عاجز عن تحمل تلك المسؤوليات، وذلك تفسير هيمنة القطاع العام على الاستثمار".
واعتبر الخبير الاقتصادي، في تصريح لاقتصادكم، أن المشكلة تكمن في طبيعة الاستثمارات، قائلاً إن بعضها لا يخلق فرص الشغل بل يغتالها: "إذا استثمرت شركة مثلاً في بعض الآلات الحديثة، التي تؤدي وظائف كان البشر يقوم بها في الماضي، فهذا استثمار يقتل الشغل ولا يخلقه".
وأضاف الشيكر أن حجم الاستثمار الكبير ليس دائماً محفزاً لخلق الوظائف؛ "نوع الاستثمار هو الأهم وليس حجمه، فاستثمار في البنيات التحتية مثلأً ليس له نفس القدرة التشغيلية مثل استثمار في الإنتاج".
الحل في "تجانس الاقتصاد"..
للتوصل إلى حلول، ينبغي الانطلاق من فرضيات صحيحة، ذاك هو رأي الشيكر: "تكمن المشكلة في خصوصية الاقتصاد المغربي، فهو اقتصاد مركب وليس اقتصاداً رأسمالياً صرفاً، حتى يسري عليه ما يسري على اقتصادات الدول الرأسمالية المتقدمة".
وفي التفاصيل؛ "يتكون الاقتصاد الوطني من رأسمالية طافحة لكنها غير مهيمنة، تتعايش مع أنماط أخرى؛ كالقطاع غير المهيكل وقطاع الممنوعات وغيرها... لذا أتصور أن أي محاولة لتقوية القدرة التنموية والتشغيلية للاستثمار، تتطلب إعادة النظر في شكل الاقتصاد الوطني، والعمل على جعله اقتصاداً متجانساً" يقول المتحدث.
في الوقت الراهن لا تشغل المقاولة المغربية سوى 3 ملايين و300 ألف شخص، من أصل 12 مليون مغربي ضمن الفئة النشيطة؛ "إذن فهذا القطاع الخاص الذي نعمل على تشجيعه وتوسيع مساهمته في الاستثمار والاقتصاد الوطني عموماً، لا يشغل سوى 28 في المئة من المغاربة".
جدير بالذكر أن رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، تعهد بإخراج الميثاق الوطني الجديد للاستثمار في أقرب الآجال، وعقد اجتماعاً أمس الأربعاء 23 فبراير 2022، مع ثلة من الفاعلين الاقتصاديين، بهدف تشجيعهم، سيما الأبناك، على الانخراط في سيرورة تنزيل الميثاق.