المغربيات يبدعن في "سياسة التقشف" لتجاوز أزمة كورونا

الاقتصاد الوطني - 27-12-2021

المغربيات يبدعن في "سياسة التقشف" لتجاوز أزمة كورونا

صفاء الصبري

بمجرد دخول المغاربة فترة الحجر الصحي الأول بداية انتشار كورونا، أصبح موضوع التدبير واعتماد سياسة التقشف المحور الرئيسي لربات البيوت سواء عن طريق الأحاديث المباشرة أو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي عجت بأسئلة وأفكار تساعد السيدات على تدبير ما يملكن من إمكانيات لملاءمتها مع الأزمة التي لم تكن تظهر أية بوادر على موعد انتهائها في الأجل القريب.
 
اقتصادكم رصدت  تجارب بعض ربات البيوت في التدبير والاقتصاد، وفي هذا الصدد صرحت هند النوري لـ"اقتصادكم"، أنها كانت المسؤولة عن تدبير مصروف البيت المحدود خلال فترة الحجر في حين أن زوجها لم يكن يتدخل في أي شيء يتعلق بتدبير المصروف، فكانت على عاتقها مسؤولية كبيرة في جعل مبلغ صغير كاف لشهر كامل.
 
وأضافت هند وهي شابة في بداية عقدها الثالث متزوجة وأم لطفلين ، "ركزت على تخفيض الاستهلاك عن طريق مخطط دقيق للوجبات اليومية واختيار الوجبات الغنية والمشبعة أكثر، استغنيت عن شراء الخبز وعوضته بتحضير الخبز المنزلي بكميات كبيرة قد تكفي ليومين متتاليين، ثم استغنيت عن المقليات للاقتصاد في استهلاك الزيت وأتبعت ذلك بتقليل المكالمات اليومية الطويلة مع الأحباب والأصدقاء وعوضتها برسائل قصيرة، ثم اعتمدت الوجبات المغربية مثل الطواجن بالخضار وكذا الوجبات ذات الأسعار المنخفضة مثل القطاني و"التقلية" و الشربات التي تخرج كميات كبيرة بعد طبخها". 
 
انتقلن من التدبير إلى التوجيه
 
وفي تجربة فريدة تحولت المرأة من السعي للتدبير والاقتصاد المنزلي إلى متخصصة في تقديم النصائح في هذا المجال مستغلة صفحات التواصل الاجتماعي للوصول لأكبر شريحة من المتلقيات.
 
 أما حنان نزيه فحكت تجربتها الشخصية لـ"اقتصادكم"، عن التدبير المنزلي في زمن الجائحة فتقول: إن موضوع الاقتصاد والتدبير أصبح محور حياتها، حتى أنها نقلته لآخريات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي اعتبرتها وسيلة ناجعة لنقل الخبرات وتقديم النصائح في مجال التدبير.
 
 وعن تجربتها الشخصية أوضحت أنها في البداية  استبدلت بعض مكونات المطبخ ذات الجودة العالية بمكونات أخرى ذات جودة متوسطة أو رخيصة وبأسعار معقولة لا تثقل ميزانيتها، ثم بعد ذلك لاحظت أن مصاريف توصيل الأطفال للمدرسة مكلفة في فترة الأزمة فاتفقت مع إحدى الجارات على الاستغناء عنها وبدل ذلك تقاسمتا مسؤولية توصيل أطفالهما للمدرسة صباحا ومساء.
 
 وأضافت قائلة "جربنا الأمر لشهر واحد بدا مناسبا جدا للعديد من الأمهات أيضا وقررنا اعتماد نفس الخطة إلى اليوم حتى بعد أن خفت حدة الأزمة، وعدا عن ذلك فقد قللت أيضا من تحضير الكيك والحلويات واقتصرت على تحضيرها في مناسبات قليلة رغم أنها من عشاق الطبخ، وكان صعبا جدا التخلي عن هوايتها، لكنها قدمت المصلحة العامة لأسرتها.
 
وربما تبدو بعض هذه الاجراءات سهلة التطبيق ولا تتطلب مجهودا، لكن بعض النساء اصطدموا بمقاومة شديدة من الابناء على الخصوص لاتباع التعليمات التدبيرية بحكم عدم تعودهم .
 
وفي هذا الصدد حكت مريم لـ"اقتصادكم" تجربتها لترويض أبنائها على العادات الجديدة، وأوضحت قائلة " لاحظت ارتفاعا كبيرا في فواتير الماء والكهرباء كانت تستنزف جزءا مهما من الميزانية فقررت أن يجتمع أفراد الأسرة في غرفة الجلوس لتقليل الاستهلاك بدل إشعال الأنوار وأجهزة التلفاز في جميع الغرف ، لكن أطفالي لم يكترثوا لتنبيهاتي المتكررة فقررت أن أوجه إليهم إنذارا شديد اللهجة، وفي حال لم يلتزموا به أسحب الكهرباء من غرفهم.
 
المصاريف لا تقتصر على احتياجات المنزل والمطبخ 
 
ولأن المصاريف لا تقتصر فقط على احتياجات المنزل والمطبخ، فإن جزءا كبيرا منها يتجه للملابس.
 
المغربيات بدل أن يستغنين عن اقتناء ملابس جديدة ويتخلين عن رغبتهن في الظهور بشكل جميل ومتجدد، ابتكرن سبلا أقل كلفة لاقتناء ما هو جديد خاصة فيما يتعلق بالجلباب النسائي التقليدي الذي لا غنى عنه. وبدل التوجه للخياط لاختيار ما يناسبهن بأثمنة أصبحت مبالغة اختارت فاطمة السكري  اقتناء قطع الجلباب بنفسها بداية من التوب والتطريزات و"السفيفة".
 
 وتقول السكري لـ"اقتصادكم"، " بعد أن أقتني كل ما يخص الجلابة أتوجه إلى الخياط الذي تصبح مهمته الوحيدة هي الجمع بين القطع بمبلغ بسيط لا يستهلك ميزانيتي ويشبع رغبتي باقتناء ما أريد"، أما فيما يخص ألبسة الأطفال وحتى الأزواج فإن الامهات تصالحن مرة أخرى مع الأعمال اليدوية من حياكة وطرز وخياطة، قمن بدمجها مع تصاميم حديثة لتصبح ملائمة للعصر وتغنيهن عن الصرف. 
 
في الحقيقة فإن أفكار التدبير داخل المنازل لا يمكن إحصاؤها فهي تتغير حسب المستوى المادي والمجتمعي لكل أسرة. لكن العامل المشترك بين جميع الأسر المغربية هو الضرورة الحتمية لتقليل الاستهلاك والدروس المستخلصة من هذا الأمر خلال الأزمة.
 
المرأة أكثر خبرة في إدارة الأزمات 
 
وللإلمام بعلاقة النساء بتدبير الموارد والاقتصاد، يقول "عبد الجبار شكري" الأخصائي في علم النفس الاجتماعي لـ"اقتصادكم": إن صفة التدبير مرتبطة بالمرأة منذ الأزل وليست أمرا مستجدا أو خاصا بفترة الجائحة، لكن ملامحه برزت أكثر خلالها.
 
 ويعزو شكري ذلك إلى التاريخ الذي صنف المرأة أقل شأنا من الرجل، على حد قوله، لأنها كانت مسؤولة عن تسيير أمور البيت كعمل بسيط دون أهمية، غير أنها تملك ما يكفي من الذكاء واكتسبت مع الوقت مهارات الإدارة والتسيير والتدبير الاقتصادي وأثبتت خلالها كفاءتها التي تفوقت فيها على الرجل.
 
وأضاف شكري أن الوضعية الوبائية أعطتنا نموذجا للمرأة المغربية الخبيرة في إدارة الموارد، ولا شك أن هذه الأزمة ستزيد من خبرتها وقدرتها على تدبير الأزمات المحتملة أكثر وتجعلها على استعداد دائم لجميع الاحتمالات الممكنة.
 
وفي سياق آخر أوضح المتحدث ذاته، أن صفة تدبير الموارد ليست الطريقة الوحيدة التي تعتمدها النساء لمواجهة الأزمات، إنما هي تتحول إلى عنصر منتج على المستوى المادي أيضا خلال هاته الفترات. والدليل على ذلك أن نصف المجتمع المغربي تموله النساء وهذه حقيقة اقتصادية لا يمكن إنكارها وظهرت بشكل أوضح خلال فترة الحجر، حيث أبدعت النساء في ابتكار مهن طارئة وأخرى دائمة لمساعدتها في زيادة دخل الأسرة واستغلين فيها مواهبهن في التجارة والطبخ والتجميل والتدريس والتوجيه وغيرها من المهن.
 
من جهة ثانية انتقد "شكري" عدم تنظيم الدولة للنشاط الاقتصادي الغير مهيكل والذي تشكل النساء نسبة كبيرة ضمنه من خلال مهن بسيطة من داخل البيوت، فبينما توقف النشاط الاقتصادي للشركات والمقاولات الصغرى في فترة الجائحة لشهور طويلة استمر العنصر النسوي في دعم الحركية الاقتصادية رغم أن دوافعه اجتماعية لكن تأثيره الاقتصادي أكبر.