اقتصادكم - مهدي حبشي
كان النقل السياحي أول القطاعات الاقتصادية التي استشعرت هزة "كورونا" في المغرب، منذ شهر دجنبر 2019، أي أسابيع قبل تسجيل أول إصابة بالفيروس ضمن التراب الوطني وشهوراً قبل فرض الحجر الصحي. يرجع السبب في ذلك إلى الارتباط الوثيق للقطاع بالخارج، سيما بجمهورية الصين الشعبية التي تمثل سوقاً مهمة للنقل السياحي، وكانت أول المنكوبين بالأزمة.
لم تتوقف احتجاجات مهنيي النقل السياحي، ذلك الشريان الذي يضخ الحياة في قطاع السياحة بالمغرب. فسواء تعلق الأمر بالسياحة الداخلية أو الخارجية، تكفي أزمة في النقل لشل القطاع برمته. بيد أن هذا المعطى بالكاد أسعف القطاع الذي وقع بين مِطرقة الجائحة وسندان "التجاهل الرسمي" لأمد طويل. ذلك ما يُستفاد من تصريح محمد بامنصور، الكاتب العام للفيدرالية الوطنية للنقل السياحي بالمغرب.
وكانت الفيدرالية دعت في بلاغ لها إلى تصعيد الاحتجاج، بعقد وقفات احتجاجية يومي 7 و8 دجنبر 2021 بالعاصمة الرباط، أمام مقر الوزارتين الوصيتين، احتجاجاً على إقصاء مكون النقل من الاجتماعات التي عقدت مع ممثلي القطاع السياحي.
"كان الإنزال كثيفاً بلغ نحو 700 عربة نقل سياحي حجت إلى العاصمة من مختلف مدن المملكة، للتعبير عن استيائها من عجز الحكومة عن إنقاذ القطاع". يقول بامنصور مردفاً أن الاستجابة السريعة للوقفة الاحتجاجية، وفتح باب الحوار مع رؤساء المصالح بالوزارة الوصية، فضلا عن عقد اجتماع مع وزيرة السياحة، هدأ روع المحتجين وجعل من الوقفة احتجاجاً شكليا.
"الموسمية" وهزالة السياحة الداخلية.. خناجر في جسد القطاع
فسر بامنصور في تصريح خص به "اقتصادكم" أزمة القطاع في عدة تفاصيل قائلاً: "في طليعة مشاكل النقل السياحي أنه منقسم على مستوى الجهات الرسمية الوصية بين وزارتي النقل واللوجستيك من جهة، ووزارة السياحة من جهة أخرى".
ذلك أن خدمات قطاع النقل السياحي رهينة بوزارة السياحة، ودون الترويج السياحي الذي يعد من اختصاصاتها لا أمل للنقل السياحي في الانتعاش. أما وزارة النقل فـ"عدة قطاعات تابعة لها تعتمد على الريع، وجل الهيئات المهنية غير مهيكلة، لا تساهم ولا تقترح ولا تترافع على القطاع، بل تعيق تطوره" يشتكي المتحدث.
ويعزو بامنصور أزمة القطاع كذلك إلى كونه نشاطاً موسمياً؛ "هناك فترات من العام ينتعش فيها النشاط السياحي ومعه قطاع النقل، بينما في معظم فترات السنة يكون التوقف أقرب إلى الشلل، ومع ذلك تبقى المقاولات ملزمة بتأدية الضرائب وواجبات التأمين".
ويرجع السبب في هذا الواقع إلى سوء ترويج المكتب الوطني للسياحة الداخلية، "الذي لا يحاول تنويع الوجهات السياحية في المغرب، بل يكتفي بالوجهات الكلاسيكية، وهكذا يبقى القطاع رهيناً بمواسم تدفق السياح الأجانب". وفقاً لمصدرنا.
هذا الواقع أسس للموسمية المذكورة، ومن نتائجه أن نسبة لا تقل عن 30 في المئة من الأجراء يشتغلون بوتيرة موسمية، "بعضهم لا يشتغل سوى شهر أو شهرين في السنة. وحين فرض الحجر الصحي طالبنا بدعم الأجراء، وهنا برز إشكال كبير حين قررت الجهات المسؤولة جعل التوفر على الضمان الاجتماعي معياراً للاستفادة من الدعم، فحرمت نسبة تناهز ثلث الأجراء في القطاع من مساعدات حيوية". يسرد بامنصور حكاية تدحرج فئة عريضة من زملائه صوب جحيم الحاجة.
قرارات "لجنة اليقظة" في قاعة الانتظار..
الوجه الآخر للأزمة يحمل عنوان "عدم التنفيذ"، فمن أصل 22 قراراً اتخذتها لجنة اليقظة الاقتصادية بشأن قطاع النقل السياحي، لم يطبق إلا قرار وحيد "وعلى نحو غير سليم" يقول بامنصور.
"القرار الوحيد الذي جرى تنفيذه هو الدعم الذي حظي به الأجراء، لكن لا يعقل أن تستمر الأبناك في استخلاص الاقتطاعات من ذلك الدعم الذي لا تتجاوز قيمته 2000 درهم، والذي يشكل مساعدة من صندوق تدبير الجائحة لحفظ حق الأجراء في العيش الكريم، وليس دخلاً بالمعنى المتعارف عليه".
وتطالب الفيدرالية المهنية بتطبيق قرارات أخرى من شأنها إنعاش المهنيين، في مقدمتها تأجيل سداد الديون وتطبيق إعفاءات أو مبادرات ضريبية لمواكبة الأزمة.
أما الحل الحقيقي الوحيد لأزمة القطاع فهو فتح الحدود، "كل الحلول الأخرى ترقيعية. ويجدر بالمسؤولين التواصل مع المعنيين والتشاور معهم قبل إغلاق الحدود أو اتخاذ أي قرارات من هذا النوع، فتلك القرارات من شأنها إعدام القطاع. كما ينبغي أن يوازي كل إغلاق للحدود فتح باب الدعم وتأجيل المديونية" يختم المتحدث.
وإذا كان الأجراء الحلقة الأضعف في المعادلة، والفئة التي تحظى بحصة الأسد من هموم فيدرالية النقل السياحي، فإن المقاولات بدورها في حاجة لالتفاتة تنقذها من شبح الإفلاس.