الأزمة الدولية وحاجة المغرب إلى مخطط فلاحي للاكتفاء الذاتي الغذائي

الاقتصاد الوطني - 10-03-2022

الأزمة الدولية وحاجة المغرب إلى مخطط فلاحي للاكتفاء الذاتي الغذائي


شعيب لفريخ 

الحرب الروسية الأوكرانية، وإن كانت هي مقدمة لحروب دولية آتية لامحالة، فهي قد أبانت في مشهد أولي عن خلق أوضاع اقتصادية صعبة لمختلف الدول ومن ضمنها المغرب، ليس فقط من جانب ارتفاع أسعار الطاقة وإنما ارتفاع أسعار المواد الغذائية وقلة الغذاء المستورد المؤدي حتما إلى ظهور المجاعات.
 المغرب كبلد فلاحي الطابع هو معني بتجنب الاختلالات واستباق وضعية المجاعة، الحديث لا يعني ولا يهم احتياطات التخزين من المواد الغذائية من الخبز وغيره لستة أشهر أو حتى لسنة، وإنما أساسا إجراء تقييم  مستعجل للمخططات وللسياسة الفلاحية وتغيير مضمونها وقلب معادلتها من التصدير إلى الخارج إلى فلاحة تحقق الاكتفاء الذاتي الغذائي للمغاربة أولا وأساسا والتصدير للخارج ثانيا، فكيف يعقل أن خيرات المغرب توجه نحو الاحتياجات الغذائية للخارج والإنتاج الفلاحي للمغرب كبلد فلاحي لا يستفيد منه المغاربة، ويذهب إلى استيراد الحبوب وغيرها بالعملة الصعبة، وأزمة ارتفاع سعر الطماطم حاليا في السوق المغربية نتيجة تصديرها للخارج وارتفاع ثمنها بالسوق المغربية مثال صغير.

إن ارتكاز السياسة الفلاحية المغربية على التصدير ليست وليدة الآن وإنما هي موروثة منذ عهد الحماية والاستعمار الفرنسي للمغرب، لكن الأمور ستتخذ منحى آخر ابتداء من سنة 2008 بعد صدور توصيات دراسة وتقرير البنك الدولي حول القطاع الفلاحي بالمغرب، والتي ستترجم فيما تمت تسميته ب"مخطط المغرب الأخضر" 2008ـ2018، والمخطط الثاني الحالي الذي يعتبر امتدادا للأول "استراتيجية الجيل الأخضر" 2020ـ2030.

وحسب ما هو معلن، فقد تم الاعتماد على دعامة رئيسية في مخطط "المغرب الأخضر" وهي تنمية الفلاحة التصديرية "ذات الإنتاجية العالية الموجهة أساسا نحو التصدير"، حيث خصص ما يقارب 121.2 مليار درهم لإنجاز 961 مشروعا موزعا على 560 ألف ضيعة على أراضي تابعة لملك الدولة تفوق مساحتها 250 ألف هكتار، وقد تمت ملاءمة الاطار المؤسساتي مع المخطط وتم إحداث وكالة التنمية الفلاحية وتحديث المكتب الوطني للسلامة الصحية للمواد الغذائية وإعادة تنظيم وزارة الفلاحة مركزيا وجهويا ووضع آليات للتتبع والتنفيذ (بحسب: مديرية الميزانيةـ مجلة وزارة الاقتصاد والمالية يونيو 2011)

واستمر مخطط "المغرب الأخضر" السابق مع المخطط الحالي "الجيل الأخضر2020ـ2030" هذا الأخير الذي حدد هدفه في خلق جيل جديد من المقاولين الشباب من خلال تعبئة مليون هكتار من أراضي الدولة وربط 2مليون فلاح بمنصات الخدمات الرقمية، وقد تم توفير البرنامج التمويلي "انطلاقة" للتمويل مشاريع هؤلاء المقاولين الجدد..

بعدما انتهت مرحلة "مخطط المغرب الأخضر" وتم المرور إلى المخطط الآخر "استراتيجية الجيل الأخضر2020ـ2030" لم يتم أي تقييم من باب تقييم السياسات ومعرفة مدى استفادة اقتصاد المغرب من هذه السياسة الفلاحية المبنية على التصدير ومن عائداتها المالية، في الوقت الذي يستورد فيه المغرب حاجياته الغذائية الأساسية من حبوب وقطاني وغيرها من خارج المغرب بأموال العملة الصعبة..

فهناك عدة مؤاخذات على هذه السياسة الفلاحية التي لا يهمها تحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج الغذائي، بقدر ما هو تجارة التصدير الفلاحي وتسخير وسائل الدولة من أراضي ودعم مالي واعفاءات ضريبية وتسهيلات مختلفة لصالح المستثمرين أصحاب الرساميل الكبيرة نحو التصدير وجني الأرباح مستنزفة للمياه والتربة، بحيث أن عائدات مخطط المغرب الأخضر مجتمعة خلال 10 سنوات من تطبيق المخطط لم تغط سوى 47% من الواردات الغذائية ثلثها من الحبوب. 

عجز الميزان التجاري ارتفع في هذه الفترة حيث بلغ المعدل السنوي للواردات الغذائية 42 مليار درهم تمثل منها واردات الحبوب 34.5% مقابل 19.7 مليار درهم كصادرات غذائية تمثل منها الطماطم والحوامض نسبة 32%، علما بأن بعض المصدرين هم من يمارسون المضاربة فيما يتعلق باستيراد الحبوب والمواد الغذائية الأخرى..

الآن وأمام هذه الوضعية الاقتصادية المتأزمة على الصعيد العالمي، ستتجه الدول بشكل سريع نحو توفير حاجياتها الغذائية خوفا من المجاعات والأزمات، وستكون الدولة ذات السيادة فعلا هي من لها اكتفاء غذائي ذاتي، والمغرب مطالب باعتماد سياسة استباقية في مجال توفير حاجيات الغذاء من خلال تقييم السياسات الفلاحية المعتمدة سابقا وحاليا نحو إقرار مخطط فلاحي للاكتفاء الذاتي الغذائي أولا والتصدير ثانيا.