مهدي حبشي
دفعة أخرى لمخطط تنويع الشراكات الاستراتيجية للمغرب، تلك التي أحرزتها الدبلوماسية المغربية بعقد أول اجتماع لدول مجموعة "فيسغراد" مع المملكة. خطوة لها أبعاد سياسية متعلقة بالجهود الوطنية لحسم النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، بيد أنها لا تخلو من فوائد اقتصادية.
وعقد يوم الثلاثاء 7 دجنبر 2021 اجتماع أعقب مباحثات بين وزراء الشؤون الخارجية لكل من المغرب وبلدان مجموعة "فيشغراد" الأربعة؛ المجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وبولونيا، والتي تشكل بوابة أوروبا الشرقية وصلة الوصل بين غرب القارة، الذي يضم أهم الشركاء الاقتصاديين التقليديين للمغرب (فرنسا، إسبانيا)، والشرق الذي ظل موصداً في وجهه منذ زمن الحرب الباردة.
وتنتمي الدول الأربع للاتحاد الأوروبي، كما بلغ ناتجها الداخلي الخام مجتمعة نحو 1100 مليار دولار أمريكي عام 2020، وفقاً لأرقام البنك الدولي. تلك مؤشرات لنمو اقتصادي سريع يفتح آفاقاً واعدة للتعاون الاقتصادي بينها وبين المملكة.
الأمن الطاقي في المقدمة
ليس المغرب أول دولة عربية تقيم شراكة مع المجموعة، إذ سبقته لذلك جمهورية مصر العربية التي شاركت في اجتماعات قادة تلك الدول مرتين، الأولى عام 2018 والثانية في أكتوبر 2021. وكان بيان للرئاسة المصرية أفاد بأن "مشاركة مصر في القمة ستتناول عددًا من الموضوعات الاقتصادية في مقدمتها أمن الطاقة".
وتعد دول محور "فيشغراد" من أكثر دول العالم حرصاً على الأمن الطاقي. بحيث عقدت "قمة الأمن الطاقي" في بودابست منذ 24 فبراير 2010. فيما يعد المغرب من رواد القارة الأفريقية على مستوى الانتقال الطاقي الأخضر، مصنفا في الرتبة 26 عالمياً في مؤشر "المستقبل الأخضر".
واعتبر الخبير الاقتصادي ادريس الفينا، في تصريح لـ"اقتصادكم"، إن تلك الدول متقدمة على المستوى التكنولوجي، وتحديداً في مجال صناعة الأجهزة والمعدات الطاقية، مما يخلق تكاملاً بينها وبين المغرب الذي يبذل جهوداً في توسيع اعتماده على الطاقات المتجددة.
الفلاحة والسياحة وتصدير السيارات...
يضيف الفينا أن بين المغرب وهذه الدول مجالات أخرى واسعة للتعاون الاقتصادي؛ "من جهة يمكن لهذه الدول الاستفادة من صادرات الفوسفاط المغربي لأنها بحاجة إليه لتطوير قطاعها الفلاحي".
كما يمكن أن تستفيد الفلاحة المغربية بدورها من تطور صناعة الآليات الفلاحية على مستوى تلك الدول، سيما أن القطاع الفلاحي يعد القطاع الاقتصادي الأول في المغرب. يؤكد الأستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي.
وتتجاوز ساكنة الدول الأربع 60 مليون نسمة، مما يطرحها سوقاً سياحية لا بأس بها بالنسبة للمغرب؛ "كون المغرب يتوفر على عرض سياحي طيلة السنة وبأسعار في متناول القدرة الشرائية لساكنة تلك الدول، من شأنه تعزيز إقبال سياحها عليه".
وصار المغرب رائداً على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجال صناعة السيارات؛ بحيث ينتج ما لا يقل عن 700 ألف سيارة سنوياً موجهة للتصدير بنسبة تصل إلى 90 في المئة؛ "الانفتاح الاقتصادي على هذه الدول هو كسب سوق جديدة للسيارات المغربية" يؤكد الخبير.
جدير بالذكر أن "مثلث فيشغراد" تأسس بالمدينة المجرية الحاملة للاسم ذاته سنة 1991، وتكون في البداية من ثلاث دول كانت تنتمي للمعسكر الشيوعي قبل انهياره: بولونيا، المجر وتشيكوسلوفاكيا، وذلك قبل انقسام هذه الأخيرة إلى دولتين عام 1993.
ووفقاً للمؤرخ الفرنسي ذي الأصول البولندية، جورج مينك، فقد تأسست المجموعة في بادئ الأمر لأهداف سياسية صرفة، في طليعتها تسهيل اندماج أعضائها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ثم تحولت لاحقاً إلى مجموعة ذات طابع اقتصادي أيضاً، بحيث دافعت عن توسيع حركية سوق الشغل ضمن الاتحاد الأوروبي وعارضت فكرة "التناغم الضريبي" داخله.
وخلقت الدول الأعضاء صندوقاً دولياً عام 2000، يحظى بمساهمة مالية قدرها 8 ملايين يورو سنويا (83 مليون درهم)، يخصص للمنح الدراسية والأبحاث.