مصنع اللقاحات ببنسليمان.. الطريق نحو السيادة الصحية للمغرب

الاقتصاد الوطني - 01-02-2022

مصنع اللقاحات ببنسليمان.. الطريق نحو السيادة الصحية للمغرب

الملك محمد السادس يطلق أشغال تشييد مصنع بنسليمان للقاحات

اقتصادكم - مهدي حبشي

أصبح موضوع "السيادة الصحية" مطروحاً بقوة في السنتين الأخيرتين، ليس فقط في المغرب بل في كل الأقطار العالمية، سيما دول العالم الثالث، الأفريقية منها على وجه التحديد. 

يرجع ذلك إلى تفشي فيروس "كورونا" المستجد حول العالم، وما خلفته الأزمتان الصحية والاقتصادية من نقص شديد في سوق الأدوية والمعدات الطبية. فضلاً عن التنافس المحموم بين الدول، وتوظيف نفوذها السياسي من أجل الضغط للظفر بحصص الأسد من لقاحات كورونا، أمام القدرة الإنتاجية المحدودة... 

وفي المغرب، أطلق الملك محمد السادس، يوم الخميس 27 يناير، أشغال إنجاز مصنع للقاح كوفيد-19 ولقاحات أخرى ببنسليمان. الحدث أعاد فتح النقاش حول السيادة الصحية للمغرب، ومدى مساهمة هذه الوحدة الصناعية الجديدة في تأمينها، عند دخولها حيز الإنتاج.

وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد آيت الطالب، لم ينف بدوره أن المملكة ستدخل مع انطلاق أشغال الوحدة الصناعية، منعطفا جديدا يتعلق بتحقيق السيادة اللقاحية والصحية.

ويروم هذا المشروع تمكين المغرب من تصنيع كميات كبيرة من اللقاحات، تعزز من جهة الاكتفاء الذاتي، وتقوي قدرة المملكة على التصدير نحو البلدان الإفريقية.

"سينسيو فارماتيك".. "كورونا" وما بعد "كورونا"

تحمل الوحدة الصناعية اسم “سينسيو فارماتيك”، وستكون أكبر منصة للتعبئة والتغليف للقاحات بقارة أفريقيا. كما تهدف على المدى المتوسط (2022-2025)، إلى نقل التعبئة المعقمة وتصنيع المواد النشطة لأكثر من 20 لقاحا ومنتوجا للعلاجات الحيوية.

نائب المدير العام لشركة “سامسونغ بيولوجيكس”، والخبير في مجال البيولوجيا الصناعية، سمير مشور صرح لوسائل إعلام قائلاً إن "المشروع سيمكن المملكة من تحقيق الاستقلالية في مجال تصنيع اللقاحات، ويمنحها القدرة على إجراء البحوث في مجال اللقاحات والمنتجات البيوتيكنولوجية وتطويرها".

الفكرة التي جاءت على لسان مشور، يشاطره إياها علي السدراتي، الخبير والرئيس السابق للفيدرالية المغربية لصناعة الأدوية والابتكار الصيدلي الذي اعتبر، في تصريح لـ"اقتصادكم" أن وحدة بنسليمان لن تقتصرعلى تصنيع لقاحات كوفيد-19، بل ستتعداها إلى لقاحات أخرى بالغة الأهمية؛ فيقول: "يستورد المغرب  من هذه اللقاحات كميات كبيرة سنوياً من أجل البرنامج الوطني لتلقيح الأطفال والأمهات... ما يشكل عبءً على ميزانيته ويستنزف رصيده من العملة الصعبة".

"كوفيد-19" سلط الضوء على حيوية السيادة الصحية استراتيجياً..

سلط كوفيد 19 الضوء على السيادة الصحية للمغرب، حيث كان  الملك محمد السادس قد أكد في خطاب العرش الأخير، على أن السيادة الصحية من أهم المبادئ المعتمدة في القانون الدولى، وعنصرٌ أساسٌ في تحقيق الأمن الاستراتيجي للمغرب.

ويُعرف المختصون "السيادة الصحية"، بالقدرة على التعامل مع كل الطوارئ الصحية، الفردية أو الجماعية، وامتلاك القدرات التكنولوجية والصناعية والبشرية اللازمة، التي توفر للساكنة كل المستلزمات الطبية دون الحاجة إلى الخارج، سيما على مستوى استيراد الأدوية والمعدات الطبية.

"كوفيد-19" سلط الضوء على الأنانية الدوائية بين الدول، وبيّن أن كل دولة تضع أمنها الصحي والدوائي الخاص في مرتبة الأولوية قبل التفكير في التصدير، "الأمر الذي فاقم أزمة الدول المستورِدة وغير المتوفرة على صناعة دوائية محلية". يقول علي السدراتي.

ووفقاً للمتحدث نفسه، تكمن أهمية المنشأة الجديدة في أنها خطوة أخرى في سيرورة السيادة الصحية للمغرب، والتي انطلقت منذ أكثر من 30 عاماً، "لدى المغرب تراكم في هذا المجال، فالإنتاج الدوائي الوطني، من حيث الحجم، يغطي الآن نحو 80 في المئة من الاستهلاك المحلي. كما أن 40 في المئة من ذلك الإنتاج عبارة عن أدوية جنيسة، أي أنها ملك حصري لمختبرات مغربية".

ومن حيث المبيعات، تحقق الأدوية المغربية قرابة 50 في المئة من رقم معاملات سوق الأدوية في المغرب، "على أنه بالإمكان جداً إنتاج ما لا يقل عن نصف الـ50 في المئة الباقية محليا كذلك" يؤكد السدراتي. 

وأضاف: "أكثر من ذلك، يوفر سعر الأدوية الجنيسة محلية الصنع على المستهلك المغربي، وعلى صناديق الضمان الاجتماعي، مبلغاً يتراوح بين 3.5 و4 مليارات درهم سنوياً، الفرق بين سعر الدواء الجنيس والأصلي".

وتوقع الخبير أن دعم الصناعة الوطنية بالوحدة المذكورة سيسير على نفس النهج، معززاً السيادة الصحية الوطنية ومحسناً أداء المؤشرات الاقتصادية المتعلقة بها.

أفريقيا.. عدالة دوائية وتعزيز لسمعة المغرب قارياً

الخبير ذاته يوضح أن أزمة فيروس "كورونا" عرت واقعاً قديماً تعانيه دول عدة حتى قبل تفشي الوباء، إذ لا تنال ما يكفيها من الدواء واللقاحات الضرورية "هذا الواقع جلي بشكل فاضح في قارة أفريقيا، التي يعتزم المغرب التصدير نحوها".

وهكذا يكون الوجه الآخر لمشروع مصنع بنسليمان، طموح لخلق نوع من "العدالة اللقاحية والدوائية" لفائدة القارة الأفريقية؛ "يعيش في قارتنا نحو مليار و300 مليون نسمة، لكنها تستهلك أقل من 1 في المئة من الإنتاج الدوائي العالمي، بينما تستهلك الولايات المتحدة وحدها 50 في المئة" (لا يتعدى سكانها 330 مليون نسمة)، يؤكد السدراتي.

ومن زاوية اقتصادية، فإن السوق الأفريقية كبيرة وطلبها على الدواء واللقاحات لا يقل حجماً... سيما أن المغرب، ومنذ توجهه نحو عمقه القاري في السنوات الماضية، أعطى لنفسه ولمنتجاته الاقتصادية بشكل عام سمعة مرموقة في السوق الأفريقية.

ولأن السيادة الصحية لا تقتصر على الأدوية والمعدات الطبية والبنيات التحتية... بل تتطلب تكوين أطر ذات كفاءة في المجال الصحي، فإن وحدة بنسليمان لن تخلف الموعد مع تطوير الكفاءات المغربية، بحسب السدراتي، "الشركات والخبرات الأجنبية التي ستنشط ضمن الوحدة ستفتح خبراتها وتكنولوجيتها أمام المصنعين المغاربة، وبعد سنوات قليلة ستصبح تلك الخبرة والتكنولوجيا مغربية بنسبة 100 في المئة".