شعيب لفريخ
اعتبر أحمد الحليمي المندوب السامي للتخطيط، أن إشكالية المساواة بين الجنسين تندرج في حقيقتها في صلب إشكالية أخرى أكثر تعقيدًا تتعلق بالنمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي في بلد يعيش انتقالا اقتصاديا وديموغرافيا واجتماعيا ومجتمعيا.
ويتميز النشاط الوطني الاقتصادي والاجتماعي باقتصاد منزلي يحاصر 58%من النساء، وسوق شغل تتسم بعرض قليل التنوع وطلب على يد عاملة ضعيفة التأهيل وقليلة الإنتاجية، وتظل العلاقات بين العرض الاقتصادي والطلب الاجتماعي متأثرة بتغيرات الظروف المناخية.
خلال المواسم الفلاحية الجيدة، تحسن النمو الكامن بنسبة تناهز 4٪ مع انعكاساتها الإيجابية على الدخل والتماسك الاجتماعي، في حين تراجع هذا النمو إلى مستويات متواضعة تبلغ حوالي 2٪ في فترات الجفافً؛ ففي الوسط القروي، يدفع توالي فترات الجفاف الحاد النساء المشتغلات إلى عدم النشاط، في الوقت الذي يتجه فيه الرجال، بالمدن، نحو الشغل الهش لتجاوز آثار الجفاف، وكلما أصبحت الظروف المناخية ممطرة، تعود النساء من جديد إلى النشاط.
وأضاف لحليمي الذي كان يتحدث في يوم دراسي نظمته المندوبية السامية للتخطيط بمشاركة هيئة الأمم المتحدة للمرأة والاتحاد الأوروبي تحت شعار"المساواة بين الجنسين، شرط التنمية للمستدامة"، أن الطلب على اليد العاملة غير متنوع مع هيمنة قطاع الفلاحة (31٪ من النشيطين المشتغلين) وتواجد ضعيف في الصناعة (12٪) والعرض متسم بساكنة نشيطة غير مؤهلة وضعيفة الإنتاجية (53٪ من النشيطين المشتغلين لا يتوفرون على أي دبلوم و31٪ لديهم دبلوم متوسط و16٪ دبلوم عالي)، وأمام ذلك، يظل الطلب الاجتماعي غير ملائم سواء بالنسبة للرجال أو النساء، مما يجعل البطالة تسجل نسبة 11٪ لدى الرجال و17٪ لدى النساء، وإذا كانت نسبة البطالة، حسب المستوى الدراسي، ترتفع بالنسبة للجنسين، فإن وضعية المرأة تظل أكثر إشكالية، وخاصة بالنسبة لخريجات التعليم العالي اللاتي يواجهن صعوبات كبيرة في الحصول على شغل 33 ٪ منهن مقابل 22٪ لدى الرجال.
وأوضح لحليمي، أن ضعف تثمين الإمكانيات النسوية في سوق الشغل، تظل جودة الشغل المحدث للمرأة ضعيفة، فحين تتمكن المرأة من الحصول على شغل، فإن هذا الشغل يبقى متسما بشغل غير مؤدى عنه وبفوارق كبيرة في الأجور، حيث أن 64٪ من النساء المشتغلات يتوفرن على شغل مؤدى عنه مقابل 91٪ بالنسبة للرجال، كما أن جميع فروع النشاط تقريبًا تتميز بفارق كبير في الأجور يقدر بحوالي 30٪ على حساب النساء، ويظل هذا الفارق قويا جدا في قطاع الصناعة حيث يصل مؤشر المناصفة 2.45. وبصفة عامة تشتغل النساء في قطاعات ذات إنتاجية ضعيفة، وأن إنتاجية النساء سواء في قطاع الفلاحة أو الصناعة أقل من متوسط الإنتاجية لهذه الفروع بنسبة 75٪ و45٪ على التوالي.
وصنف المندوب السامي للتخطيط وضعية المرأة، بكونها على مستوى الواقع تظل حبيسة الوزن التاريخي للعلاقات الاجتماعية وتواجهه بجهد أكبر مقارنة بالرجل، لكنها تعيش نفس الوضعية إلى جانب الرجل، التي يتيحها سوق الشغل الذي يتسم بقلة إحداث فرص الشغل بصفة عامة وبوثيرة أقل للشغل اللائق بصفة خاصة، وأن التراجع المتواصل لنسبة النشاط لدى النساء هي إحدى الخصائص الهيكلية لوضعية المرأة بالمغرب، حيث لا تتجاوز هذه النسبة 21٪ حاليا، بعدما بلغت 30٪ في بداية العقد الأول من القرن الحالي، وهو ما يدل على ضعف تثمين الإمكانيات الكامنة التي تشكلها، على الخصوص، النساء غير النشيطات.
وأعطى السيد لحليمي مقارنة بين فترتي 2000-2009 و2010-2019، أن مساهمة المرأة في النمو الاقتصادي قد انتقلت من 22٪ خلال الفترة الأولى إلى مساهمة سالبة قدرها 33٪ خلال الفترة الثانية، وتعزى هذه الخسارة في جزء كبير منها إلى تزايد عدم النشاط لدى المرأة الذي سجل مساهمة سالبة تقارب 16٪ في النمو الاقتصادي.
مبينا، أن تقديرات الإمكانات النسوية تبين أن ما يقارب 1.7 مليون امرأة غير نشيطة يمكن أن تصبحن نشيطات مشتغلات مستأجرات. ومن شأن تعبئة هذه الإمكانات أن تؤدي إلى رفع معدل النشاط لدى النساء إلى 34.8٪ والزيادة في القيمة المضافة الإجمالية بنسبة 13٪؛ وعلى الرغم من وضعيتها في سوق الشغل، تتوفر المرأة على قدرات أكبر لتثمين المهارات التي اكتسبتها في مسارها التعليمي والتكويني، ففي الوقت الراهن، تشكل الإناث أكثر من نصف المسجلين بالمعاهد والمدارس العليا (57٪)، وتدير النساء 13٪ من المقاولات المنظمة و19٪ من المؤسسات غير الهادفة للربح، كما تمثل40٪ من الأطر العليا وأعضاء المهن الحرة والأطر المتوسطة وربع مناصب المسؤولية في الإدارة العمومية.
ويعرف ولوج المرأة المغربية إلى مناصب القيادة ـ يضيف السيد لحليمي ـ تطورا تدريجياً ويحدث تغييرات أساسية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والمؤسساتي. فعوض تحمل أعباء البطالة، فإن كفاحها انتقل، اليوم، إلى مجال آخر يتجلى في تأنيث ظاهرة الهجرة، حيث تمثل النساء حوالي ثلث المهاجرين وحوالي نصف الجالية المغربية في بلدان أوروبا. ويسجل مستوى التعليم لدى النساء المهاجرات مستوى أكبر مما هو عليه لدى الرجال، حيث أن 44.7٪ من النساء المهاجرات بلغن مستوى التعليم العالي و20.1٪ مستوى التعليم الثانوي مقابل 28.4٪ و16.2٪ على التوالي لدى الرجال.
وذكر لحليمي، أنه بالنظر إلى ضعف التحول في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، تظل 8 نساء من كل 10 خارج سوق الشغل، معظمهن ربات بيوت (73.7٪) أو تلميذات أو طالبات (15.1٪). تكرس النساء في هذه الحالة أنفسهن بشكل أساسي لرعاية الأطفال والأشغال المنزلية (54٪). وفي ظل هذه الظروف، تكون المرأة مسؤولة بنسبة 84٪ عن خلق القيمة المضافة للأنشطة المنزلية، وخاصة خدمات إعداد الوجبات وصيانة البيت.
كما تساهم في تمدرس أطفالهن من خلال تخصيص 70٪ من خدمات الدعم المدرسي، وإجمالا، تخصص النساء ما معدله 5 ساعات يوميًا للأشغال المنزلية، أي ما يقرب 7 أضعاف من الوقت المخصص من طرف الرجال. إن دخول المرأة إلى الحياة العملية لم يعفيها من مسؤولياتها الأسرية، ذلك أنه رغم ممارستها لنشاط مهني، تستمر المرأة في تخصيص 4 ساعات و17 دقيقة للعمل المنزلي.
وخلص السيد لحليمي إلى " أن النساء، سواء كن نشيطات مشتغلات أو ربات بيوت، يشاركن بفعالية في الرفاه الاجتماعي للأسرة، حيث يلعبن دورًا مهما في استقرار المجتمع من خلال المساهمة في إعادة الإنتاج الاجتماعي للقوى العاملة. إن حضور المرأة المتزايد في الفضاء العمومي وانخراطها القوي في المجتمع المدني وولوجها إلى المعرفة وإلى الملكية، وغدا إلى السلطة كلها عوامل تبشر بتعزيز دور القيادة للمرأة الذي ستكون نتائجه حاسمة في التحولات وقيم المجتمع. إن هذه التغيرات سوف لن تحدث تلقائيا وقد تعترضها السياسات العمومية لكن ليس بسهولة، وعلى العكس من ذلك، يمكن لهذه السياسات العمومية بل يجب عليها تسهيل هذه التغيرات وخاصة عبر سن سياسة للتمييز الإيجابي."