غيثة مزور ،الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.
اقتصادكم - شعيب لفريخ
قانون ميثاق المرافق العمومية رقم 54.19 الصادر بتنفيذه ظهير 14 يوليوز 2021 هو تطور نوعي في مسار إصلاح الإدارة والاقتصاد، وهو تنزيل لدستور 2011 في فصله 157 المتعلق بتحديد قواعد الحكامة الجيدة في مجال تسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية الأخرى وكذا مختلف الأجهزة العمومية، وقطاع الإعلام هو معني بهذا الإصلاح.
ومنذ تاريخ إصدار هذا القانون تم بشكل متوازي إصدار ترسانة من القوانين والمناشير الوزارية المتعلقة بتوفير مختلف التدابير والإجراءات التنظيمية والقانونية لتنزيل ذلك القانون؛ ومن ضمن تلك الترسانة يوجد القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، لكن ومن غرائب الأمور، أنه في الوقت الذي تناقش فيه إحدى المجموعات الموضوعاتية بمجلس النواب تقييم الإصلاح المذكور خلال شهر مارس الجاري، سبق ذلك ببعض لجان المجلس تضييق فعلي على مهام الصحافيين والصحافة في القيام بالواجب المهني لنقل الأخبار إلى المجتمع، وهذا شيء في حد ذاته علامة سيئة متضادة مع جوهر الإصلاح الإداري.
وبخصوص اللقاء الدراسي الذي نظمته مجموعة العمل الموضوعاتية، بمجلس النواب والمكلفة بتقييم الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة يوم الجمعة الماضي 18 مارس 2022، والذي قال عنه رئيس المجموعة أنه يدخل في إطار "ممارسة مجلس النواب لاختصاصه المتعلق بتقييم السياسات العمومية بناء على اقتراحات الفرق والمجموعة النيابية"، فإن هناك بعض الملاحظات حوله.
فالملاحظة الأولى، أن قانون ميثاق المرافق العمومية الذي يختزل إلى حد ما جوهر الإصلاح الإداري هو تنزيل لفصل دستوري لمبادئ وقواعد الحكامة الجيدة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يكون الأمر موضوع تجاذبات أو تراجعات حكومية لهذه الحكومة أو تلك عن ذلك الميثاق.
الملاحظة الثانية، أن ظهير تنفيذ قانون المرافق العمومية لم يصدر إلا في 14 يوليوز 2021، ولم تمض على صدوره إلا أقل من سنة، وبالتالي فإن الجهود ينبغي أن تتوجه إلى إيجاد السبل والكيفيات القمينة باتخاذ مختلف التدابير والإجراءات والقوانين اللازمة لتسريع عملية الإصلاح الإداري التي مازالت للأسف متوقفة.
الملاحظة الثالثة، أن تطوير القطاع الاقتصادي هو مرتبط أشد الارتباط بالإصلاح الإداري، وكل يوم ضائع في مسلسل الإصلاح هو خسارة اقتصادية، والإصلاح المنظر ليس فقط من باب الرفع من جودة الخدمات العمومية وتيسير الولوج إليها، وإنما وبالأساس وأيضا من حيث إعمال مبدأ الشفافية وتقديم ونشر المعطيات والمعلومات المتعلقة بجميع المرافق العمومية والخدمات العمومية، وفق ما هو منصوص عليه في المادتين 3و4 من الميثاق السالف الذكر، كما أن قطاع الإعلام والصحافة هو معني وبدرجة أساسية بذلك لدوره الحيوي في تزويد المجتمع بالمعلومات والأخبار.
الملاحظة الرابعة، أن اعتبار الصحافة من طرف البعض هي مجرد وسيلة للتطبيل والتزمير، والإهانة والتهميش، ومنعها من القيام بدورها داخل المرافق العمومية سواء تعلق الأمر بمؤسسات منتخبة أو مرفق عمومي آخر، هو سلوك وعقلية مرفوضتان وهما يضربان في الصميم قانون المرافق العمومية وجوهر الإصلاح الإداري.
إن انتظارات الإصلاح الإداري التي انتقلت من وزارة خاصة بالإصلاح الإداري في السابق إلى وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة حاليا هي كبيرة، فحسب المعطيات الرسمية المنشورة لم تتجاوز نسبة التقدم في تفعيل برنامج الإصلاح الإداري 2018ـ 2021 الذي شرعت فيه الحكومة السابقة نسبة متدنية.
فالحاجة مازالت ماسة إلى منظومة تشريعية وتنظيمية تؤطر كل صنف من المرافق العمومية المختلفة لأن هنالك حوالي 35 قطاعا وزاريا و1600 جماعة ترابية، وأكثر من 800 مؤسسة ومقاولة عمومية، بالإضافة إلى باقي الهيئات العامة والخاصة المكلفة بمهام المرفق العام.
فمازال لحد الساعة ضعف في المهنية في تقديم الخدمات العمومية لعدم احتكامها لمنظومة تؤطر علاقة المرافق العمومية بالمرتفق منذ ولوجه لهذه المرافق إلى حين حصوله على الخدمة المطلوبة، فالمواطن لا يشعر في كثير من الأحيان، بأي تغيير رغم كثرة الخطابات، والمنظومة الإدارية الحالية لم يشملها بعد تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كما هو منصوص عليه في الدستور، كما لم يشملها تفعيل مختلف التوصيات الصادرة عن مؤسسات الحكامة.
فالمغرب ونموذجه التنموي مازال في حاجة ماسة إلى تخليق المرافق العمومية من خلال إعداد مدونات أخلافية، ووضع برامج لتعزيز قيم النزاهة وضمان الإلتقائية وتناغم البرامج وتكامل المبادرات وتعاضد وسائل المرافق العمومية..
فأين هي الحكومة وأين هي المؤسسة التشريعية من ذلك؟