مهدي حبشي
بحلول موسم البرد تنشط تجارة المعاطف ويقبل المغاربة على اقتناء شتى صنوف (الجاكيط)، اتقاء لبرد يلسع الجسوم بين شهور نهاية الخريف وبداية الربيع.
إلا أن المستهلكين فوجئوا هذا العام بارتفاع ملحوظ في أسعار المعاطف وتدنٍ في جودتها، ما يطرح أسئلة عدة حول واقع قطاع النسيج والألبسة في المغرب، لاسيما بعد تعديل الاتفاق التجاري بين المملكة وتركيا، الذي كان يشدد الخناق على الإنتاج الوطني.
ويوفر قطاع النسيج الوطني، خصوصاً على مستوى مقاولاته الصغرى والمتوسطة، ما يناهز 90 في المئة من الاستهلاك المحلي من الألبسة، يؤكد محمد متقي، رئيس جمعية المقاولات الصغرى والمتوسطة لصناعة النسيج والألبسة في تصريح لـ"اقتصادكم"، إلا أن القطاع بات يشكو من ارتفاع أسعار المواد الأولية عالمياً وندرتها، ما أدى لزيادة في سعر المعاطف.
شلل في النقل وندرة في المواد الأولية
ندرة المواد الأولية تخفض الإنتاج، يفسر متقي استناداً لقانون العرض والطلب، وتجعل العرض يقل مقارنة بالطلب المرتفع، وذلك من القواعد المعروفة اقتصاديا على مستوى ارتفاع سعر المنتج النهائي.
وأضاف متقي إنه علاوة على ارتفاع سعر المواد الأولية في السوق العالمية، شهدت حركية استيراد تلك المواد اضطرابات كبيرة منذ تفشي فيروس "كورونا" المستجد. فقد عرقل الحجر الصحي حركة النقل ومن ثمة استلام المنتجين المغاربة حاويات المواد الأولية.
"قبل كورونا خرجت حاويات عديدة من الصين والهند وغيرها من مصادر المواد الأولية باتجاه المغرب، فجاء الحجر الصحي ليصيب القطاع بالشلل، حين أفلست عدة مقاولات مغربية وعجز بعضها عن دفع ثمن الحاويات، وهذا كله أثر على السيرورة العادية والمسار التجاري للمواد الأولية" يؤكد مصدرنا.
وضرب المتحدث مثالاً بالقطن الذي ارتفع سعره من نحو 40 درهماً ليصل إلى 65 درهما للكيلوغرام الواحد، إنه "سعر قياسي لا مثيل له عبر التاريخ". وقس على ذلك سعر الخيط وغيره من المواد التي تدخل في عملية التصنيع.
ويكاد قماش "فيسكوز" الحيوي في عملية التصنيع يختفي من السوق الوطنية، فحتى أفضل المنتجين ما عادوا قادرين على توفيره، لأن ثمن مادته الأولية مرتفع ولا ينسجم مع السوق والقدرة الشرائية للمستهلك المغربي، ما دفع المنتجين إلى وقف عملية الإنتاج.
الجودة رهينة بالقدرة الشرائية
المبررات أعلاه تنسحب على الأسعار وعلى الجودة في نفس الوقت، وهي التي نالت حصتها من انتقادات المستهلكين، فقد اعتبر الكثيرون أن معاطف هذا العام مُتدنية الجودة ولا تقي من البرد إطلاقا. إلا أن متقي لم يخفِ فخره بالمهارات العالية التي يتمتع بها الصانع المغربي، معتبراً أن المشكلة في هذا السياق تكمن في القدرة الشرائية للمستهلك المغربي، التي تضررت بدورها جرّاء أزمة الجائحة.
"عدد بأس لا به من المستهلكين يبحثون عن سلع الفئة الدنيا (bas de gamme) لأنها رخيصة، لكنها متدنية الجودة كذلك، وهذا شائع في العالم بأسره وليس في المغرب فحسب"، يؤكد متقي مضيفاً: "الكثيرون يخطئون في الاعتقاد بأن كل السلع المغربية تنتمي إلى تلك الفئة".
قطاع يحتاج دعماً...
لا يرى متقي أن قطاع النسيج الوطني، خصوصاً على مستوى المقاولات الصغرى والمتوسطة، قد استفاد من تعديل الاتفاق التجاري بين المغرب وتركيا. ويعتبر أن المقاولات الكبرى وحدها المستفيدة من ذلك. "أما تلك المتوسطة والصغيرة، والتي يعود لها الفضل في توفير منتجات بجودة الماركات العالمية، لكن بأثمنة في متناول قدرة المستهلك المغربي الشرائية، ففي حاجة لمن يسمع أنينها".
ذلك أن المقاولات المغربية الصغيرة والمتوسطة هي في الأصل من تأسيس مغاربة اشتغلوا في السابق لدى كبرى الشركات العالمية، وهم بذلك يمتازون بكفاءة عالية وفقاً لمتقي، وبوسعهم توفير منتجات في غاية الجودة؛ "لا يظن أحد أن جودة السلع التركية أكبر من مؤهلات المنتِج المغربي، كل ما هنالك أن الأخير يحتاج لمسؤولين ينصتون له ويوفرون له بيئة تنافسية كتلك التي تحظى بها المقاولات التركية، وهو قادر على إبهار الجميع إن توفر له ذلك".