مهدي حبشي
جاء قرار تسقيف سن الولوج إلى مهنة التدريس في المغرب، الذي اتخذته الوزارة الوصية، بغير ما تشتهيه سفن العاطلين من حاملي الشهادات الذين تجاوزا سن الثلاثين.
ويُخيم شبح البطالة على آلاف المُجازين وحملة الشهادات الجامعية، بعدما سقفت الحكومة بقرار من شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، سن الولوج إلى وظائف أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين عند سن الثلاثين.
العودة لشرط الانتقاء الأولي
كما قررت الوزارة المذكورة العودة لتطبيق شرط الانتقاء الأولي، ما قد يحرم عدداً من المجازين دون مِيزة من فرصة خوض مباراة أطر التربية والتكوين.
واعترف الوزير شكيب بنموسى، لدى مُناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارته بمجلس المستشارين، أن وزارته تساهم في تشغيل الشباب، بيد أنه رفض تحميلها مسؤولية حل مشكلة البطالة قائلاً إن: "حل مشكلة البطالة يجب أن يتم عبر البرامج التي وضعتها الحكومة خِصيصاً لذلك".
تذمر حاملي الشهادات
وتسود حالة من التذمر مجموعات الطلبة الجامعيين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بحيث لا يرى الكثير منهم، سيما طلاب الآداب والعلوم الإنسانية، أي برامج حكومية أو آفاق بديلة عن التعليم للانعتاق من شبح البطالة.
من جهته، يتخوف علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن تنعكس قرارات الوزير بنموسى، التي وصفها بالارتجالية وغير المبررة بأي دراسة موثوقة، سلباً على شريحة واسعة من الشباب المغربي؛ فيقول: "التعليم هو المنفذ الوحيد الذي ظل مفتوحاً في وجه الآلاف من خريجي الجامعات، خصوصاً حاملي الشهادات في الأدب والعلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية واللغات بل حتى الرياضيات والعلوم الحقة...".
وأوضح المتحدث نفسه في تصريح لـ"اقتصادكم" أن المناصب المالية المحدثة سنوياً في الميزانية العامة للدولة شحيحة، ولا تتجاوز 25 ألف منصب شغل في المعدل، "أغلبها تتطلب تخصصات مُعينة في الصحة أو الأمن أو ذات صبغة قانونية أو هندسية أو تقنية".
التسقيف لم يراع وضع الشباب المتخرج حديثا
وحذر لطفي من أن مقاربة الوزير بنموسى لم تراعِ وضعية الشباب المتخرج حديثاً من الجامعات، ولا المتغيرات الديمغرافية التي يشهدها المغرب: "الفئة العمرية التي أقصيت تشكل عصب الهرم السكاني الشاب في المجتمع المغربي، إذ تمثل 25 في المئة من ذلك الهرم، كما أنها في تزايد مضطرد، بحيث قد تصل إلى 35 في المئة من مجمل سكان المغرب بحلول عام 2030".
أرقام مقلقة
وكان تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط في غشت 2021، كشف عن كون بطالة الشباب المتراوح أعمارهم بين 25 و34 سنة بلغت 28.3 في المئة.
ويرى لطفي أن ظواهر خطيرة تمخضت عن "البطالة المزمنة" التي يعانيها الشباب، بمن فيهم حملة الشهادات الجامعية من الإجازة حتى الدكتوراه؛ "القلق الاجتماعي والهجرة السرية عبر قوارب الموت وهجرة الأدمغة... ظواهر تفاقمها البطالة بل تشكل عمودها الفقري، في وقت يعاني الاقتصاد المغربي من الهشاشة والعجز عن خلق مناصب شغل كافية، ما جعل البلاد أمام أكثر من مليون ونصف المليون عاطل في صفوف الشباب وفق تقارير رسمية".
وأبان تقرير صادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين عن ارتفاع نسبة البطالة في صفوف خريجي التعليم العالي إلى 16.2 في المئة، وذلك حتى بعد مرور أربع سنوات عن تخرجهم.
ماذا عن القطاع الخاص؟
ولا يعتبر لطفي أن القطاع الخاص قادر على استيعاب طالبي العمل سنوياً، بسبب ضعف النمو الاقتصادي والاستثمار. وينطبق الأمر ذاته على تجربة التشغيل الذاتي أو "المقاول الذاتي"؛ التي لم تطرحه في تصوره بديلاً معقولا: "تجربة التشغيل الذاتي تعرف الكثير من العثرات نتيجة غياب دراسة للجدوى وللسوق، وشح التمويل وانعدام التتبع والدعم، ما أدى إلى إفلاس معظم المقاولات الصغيرة جداً بسبب جائحة كوفيد 19".
وشدد لطفي على أن مشكلة البطالة، التي ستفاقمها الشروط الجديدة لولوج مهنة التعليم، تحتاج إلى خطة وطنية مستعجلة لتقليص الأنشطة المزاولة ضمن القطاع غير المهيكل، مع الإسراع في إنقاذ المقاولات المهددة بالإفلاس: "عبر تأهيلها ومنحها قروضاً بفوائد معقولة اجتماعيا واقتصاديا".
تعميم الحماية الاجتماعية
كما دعا المتحدث إلى تعميم الحماية الاجتماعية، بما في ذلك التعويض على العطالة، باعتباره حلاً شاملاً مستداماً وعادلاً. مع فرض نظام للتشغيل على المقاولات مقابل خفض تحملاتها الاجتماعية.
جدير بالذكر أن وقفات ومسيرات احتجاجية عمت أرجاء المملكة ضد قرارات الوزير شكيب بنموسى، حيث طالب المحتجون بإسقاط تسقيف السن ومبدأ الانتقاء، والعودة لمبدأ تكافؤ الفرص المكفول دستورياً.