اقتصادكم- مهدي حبشي
مع مستهل شهر مارس الجاري، شهدت مناطق عدة من المغرب تساقطات مطرية مهمة، أنعشت معنويات الفلاحين وأعادت الأمل في إنقاذ الموسم الفلاحي الحالي من شبح الجفاف.
وكانت مديرية الأرصاد الجوية بشرت نهاية الأسبوع الماضي بأمطار قوية تتراوح بين 20 إلى 35 ملم، همت عمالات وأقاليم الصخيرات-تمارة، القنيطرة، الرباط، سلا، الخميسات، خنيفرة، بن سليمان، المحمدية، الدار البيضاء ومديونة. كما شهدت جهة سوس ماسة تساقطات مهمة نهاية الأسبوع الماضي.
أمطار مفيدة ولكن..
يجمع الخبراء على أن هطول الأمطار في كل وقت من السنة، حدث إيجابي ونافع للاقتصاد الوطني، بيد أن تأخرها حتى نهاية فصل الشتاء ومستهل الربيع ذو تداعيات سلبية على القطاع الفلاحي، إذ باتت مزروعات عدة في خبر كان، بينما يُرتقب أن تنتعش أخرى.
وأوضح الخبير في الاقتصاد القروي، العربي الزكدوني، في تصريح لاقتصادكم، أن تأخر الأمطار أصاب في مقتل فئة الحبوب؛ "فات الأوان بالنسبة لمحصول الحبوب، الذي لا شك تضرر بتأخر الأمطار".
لكن ثمة استثناء على هذا الصعيد، يضيف الزكدوني: "باستثناء المناطق الجبلية، التي تُعرف بتأخر دورتها الزراعية على مستوى الحبوب مقارنة بالسهول، غير أن طاقتها الإنتاجية للأسف ضئيلة، ولا تشكل نسبة مهمة من المحصول الوطني".
وفصّل بالقول إن القمح بنوعيه الصلب واللين، بالإضافة إلى الشعير، فضلاً عن القطاني الشتوية كالفول والبازلاء، هي أبرز الزراعات التي ليس بوسع الأمطار الأخيرة إنقاذها.
ويزيد الطين بلة، الحرب القائمة في أوكرانيا، والتي ستؤثر دون شك على صادرات تلك الدولة من الحبوب، بوصفها أحد الأسواق التي يلجأ إليها المغرب لسد خصاصه على مستوى تلك المادة.
فوائد شتى..
من جهة أخرى، كشف الباحث في الشؤون الزراعية عن فضائل التساقطات الأخيرة، سيما على مستوى الفرشة المائية؛ "الأمطار في أي موسم من السنة مفيدة، لأنها تملأ الأنهار والسدود وتنعش مخزون المياه الجوفية".
وبالفعل، فقد رفعت التساقطات المطرية الأخيرة حقينة السدود المغربية بأكثر من 12 مليون متر مكعب، وفقاً لأرقام المديرية العامة لهندسة المياه، التابعة لوزارة التجهيز والماء.
وزادت حقينة السدود من 5 مليارات و268 مليون متر مكعب في 4 مارس 2022، إلى 5 مليارات و281 مليون متر مكعب يوم الاثنين 7 مارس 2022.
وبالنسبة للزراعات التي تستفيد من أمطار آخر الشتاء ومستهل الربيع، فهي تلك التي تعرف بمسمى "الزراعات الربيعية"، يؤكد الزكدوني، وفي مقدمتها الأشجار المثمرة مثل الزيتون والتفاح والبرقوق... "فضلاً عن الحمص ودوار الشمس الذي يمكن أن يستفيد من برنامج دعم القطاع الفلاحي" يؤكد الخبير.
وتشير وزارة الفلاحة والصيد البحري إلى أن المساحة المغروسة بالأشجار المثمرة في المغرب، ارتفعت بنحو 46 في المئة منذ 2008، لتصل إلى 000 377 هكتار. وقد أصبحت تمثل ما يعادل 5 في المئة، من إجمالي المساحة الصالحة للزراعة على الصعيد الوطني.
ويضيف الزكدوني أن التأثير الإيجابي لهذه التساقطات ينسحب أيضاً على المراعي: "المراعي ستغتني بالنباتات، ما يساعد الفلاحين على مستوى الأعلاف، ويخفف عنهم وطأة أسعارها المرتفعة في الآونة الأخيرة".
وتابع: "لذلك تأثير إيجابي على الثروة الحيوانية، وعلى قطاع تربية المواشي الذي يعد أساسياً ضمن الاقتصاد الفلاحي المغربي".
المشكلة في الموسم الفلاحي المقبل
بيد أن المشكلة الحقيقية في تصور الزكدوني، ليست في الموسم الفلاحي الحالي؛ "استفاد هذا الموسم رغم ضعفه من جودة سابقه، إذ يتوفر الفلاحون على مخزون مهم، كما استفادوا من مخزون المياه الجيد واغتناء الفرشة المائية منذ العام الماضي".
المشكلة الحقيقية في الموسم المقبل؛ "مع بدايته سيكون المخزون قد تراجع على شتى الأصعدة، بل يحتمل ألا يجد الفلاحون ما يطلقون به الموسم". يشدد الزكدوني مضيفاً: "سننطلق في شهر شتنبر المقبل بحقينة سدود أقل بكثير مما هي الآن، وفي حال تأخر هطول الأمطار سنكون أمام مشكلة حقيقية".
ويرى الخبير أن من نقاط ضعف مخطط دعم القطاع الفلاحي ضد الجفاف أنه يعتزم مواكبة الفلاحين مدة 9 أشهر فقط؛ "هي مدة غير كافية.. يحتاج القطاع الفلاحي إلى مواكبة حتى حدود ربيع العام المقبل".
جدير بالذكر، أن القطاع الفلاحي في المغرب يساهم بما لا يقل عن 15 في المئة من الناتج الداخلي الخام. كما تعد الفلاحة أحد أبرز القطاعات التي توفر فرص الشغل، تقارب 4 ملايين وظيفة.