أحداث الفنيدق.. بعيداً عن التعليقات، ما هي الحلول؟

آخر الأخبار - 22-09-2024

أحداث الفنيدق.. بعيداً عن التعليقات، ما هي الحلول؟

 
عبد الحق نجيب - كاتب صحفي

 
 
ما حدث للفنيدق، بين 14 و18 سبتمبر 2024، أبعد ما يكون عن كونه خبرا بسيطا. عندما يحاول 3000 شخص اقتحام نقطة حدودية مع دولة أجنبية، عندما يقوم مئات الشباب بإلقاء أنفسهم في الماء للوصول إلى شاطئ سبتة، الجيب الإسباني على الأراضي المغربية، عندما يتسلق مئات آخرون تلالًا شديدة الانحدار ليسقطوا في الجانب الآخر على جانب الخطوط الحدودية مع إسبانيا، عندما يدخل مئات آخرون في مواجهة مباشرة مع الشرطة التي تم إرسالها إلى هناك لتجنب هذا الغزو لدولة أجنبية، بينما يوجد لدينا عدد كبير من الجرحى في صفوف الشرطة والمهاجرين، عندما يتم القبض على عشرات الشباب وإرسال مئات آخرين إلى مناطق أخرى من البلاد، لتفريق آلاف المرشحين للهجرة، عندما تستغل وسائل الإعلام الغربية هذه الحادثة للانغماس في المزايدة، عندما تشيد الصحافة الجزائرية بما حدث في الفنيدق، وعندما تنشر شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للهواة تظهر مشاهد مروعة من الفوضى الحضرية تليها مشاهد العنف، وعندما يبث البعض صورًا ملفقة لتوضيح الأمر عندما يصعد آخرون إلى الطاولة لتصفية حساباتهم الشخصية ، عندما تكون هناك فوضى، يكون الباب مفتوحًا على مصراعيه لأي شيء وكل شيء. كل شخص لديه رأيه الخاص. الجميع يتقدم بيدقهم. الجميع يستخدم أحداث الفنيدق لمصالحه مهما كانت. وهدا ما يعود بنا  إلى المثل المغربي: "إذا سقطت البقرة كثرت السكاكين". بالتحديد السكاكين الثانية، أولئك الذين يكتفون بما ينشره ويبثه الآخرون ويركبون موجة التلاعب بالجماهير.

 

فكيف يمكن أن نفهم هذه الحلقة المأساوية للفنيدق بعيدا عن تصعيد الظروف والألاعيب ؟ 


أولاً، دعونا نلقي نظرة على الكلمات الخاصة لمرشحي الهجرة الذين يتداولون بأعداد كبيرة على الشبكات الاجتماعية. وبدون أي استثناء، كل التصريحات وغيرها من الاعترافات والشكاوى تشير في الاتجاه نفسه: «نحن نعاني»، «نحن في أوضاع غير مستقرة»، «الفقر يخنقنا»، «ليس لدينا عمل»، «نحن يائسون»"نريد إنقاذ عائلاتنا، "" ليس لدينا مستقبل في بلدنا"، ""أفضل أن نموت على أن نقبل هذا البؤس"،" "الحكرة  تقتلنا"،"لا أحد يعتني بنا"،"الحكومة لا تهتم بأوضاعنا"، "لا أحد يستمع إلينا"... 


بأغلبيتها الساحقة، كل التصريحات تسلط الضوء على اليأس من خلال توجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة المغربية لكل علل المجتمع المغربي اليوم: ما يقرب من 14٪ عاطلون عن العمل، الفوارق اجتماعية عميقة، المزيد والمزيد من الفقراء، الهشاشة التي تترسخ بشكل متزايد في النسيج الاجتماعي المغربي، مدرسة تائهة، الأمية التي تقتل المجتمع ببطء، نظام صحي محتضرً,  عدالة بسرعات متفاوتة , ارتفاع تكاليف المعيشة، وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، وأسعار المحروقات التي دمرت الفقراء، والأزمة العميقة التي تضرب الفقراء بشدة، وتفشي الجريمة، والمخدرات، بجميع أنواعها، التي تأكل الشباب المغربي، فقدان القيم، وبغاء الإناث والذكور الذي يظهر معدلات مذهلة... 

 

كل ذلك، مع الصمت المطبق لجميع أعضاء الحكومة الذي لم يتمكن أحد من إعطاء أدنى تصريح ولا الرد على كل هؤلاء الآلاف من الشباب الذين اختاروا هذا الحل المتطرف. ليست كلمة واحدة. ولا رئيس الحكومة عزيز أخنوش ولا وزرائه. باستثناء طبعا بيان صحفي رسمي حول الصور الكاذبة المتداولة، تم فتح تحقيق في هذا الموضوع لفصل الحقيقي من الكاذب ومصطفى بايتاس الذي يأتي ليعطي الأرقام الرسمية لأحداث الفنيدق. 

 

هذا بالنسبة للوضع الاقتصادي والاجتماعي لأكثر من 70% من المغاربة، الذين يعانون، والذين لم يعودوا يعرفون إلى أي طريق يتجهون. وهو ما يعكس واقعا ثابتا، لأن الحقائق، حتى المخفية والمقنعة، تظل حقائق: فمن ناحية، تنشر الحكومة كل أسبوع تقريبا تقارير عن الصحة الممتازة للاقتصاد المغربي، عن الإنجازات الاجتماعية، عن الحياة في أجمل بلد في العالم، مع تصنيفات تجعل المغرب الأول في منطقته، والثاني في أفريقيا، والثالث في أماكن أخرى، مع تقدم كبير، مع تحديات هائلة، كل ذلك مع الأرقام والبيانات الداعمة: كل شيء يسير على ما يرام، والصحة الاقتصادية والمالية للبلاد أداء جيد للغاية، والشركات تحقق أرباحًا كبيرة، والسياحة مزدهرة، والدخل كبير، ومواقع البناء تتضاعف، وتشهد جميع القطاعات، أو تقريبًا، انتعاشًا حقيقيًا، على الرغم من الجفاف والضغط المائي وأزمة ما بعد كوفيد. 

 

بمعنى آخر، الأمور تسير بشكل جيد للغاية. فلماذا، ليس هذا هو الحال بالنسبة لأكثر من نصف سكان المغرب الذين لا يرون نهاية النفق والذين ظلوا يكررون ذلك ويشكون منذ أكثر من خمس سنوات، ويدينون الفوارق الاجتماعية الكبيرة والهشاشة التي تعيشها البلاد. إغراق جزء كبير من المجتمع في وضع لا ينفصم؟


إذا كانت الأمور تسير على ما يرام، فلا بد أن يكون لذلك تداعيات على جميع السكان المغاربة. وهذا هو المعنى الحقيقي للحكم وكفاءة الحكومة. ومع ذلك، هذا ليس هو الحال على الإطلاق. وشهادات الفنيدق تقول ذلك تمامًا. بمعنى آخر، لا أحد يريد الهروب من أجمل بلد في العالم. 


ما المشكلة إذن؟ هناك بالفعل مشكلة هناك، شيء يتجاوزنا ويتجاوز الفهم والمنطق البسيط. أو كما عبر البعض عن ذلك، فإن هؤلاء الشباب من الفنيدق هم منحرفون ويستحقون الذهاب إلى السجن، وهو أمر تبسيطي للغاية. إن إدانة هؤلاء الشباب أمر سهل للغاية، لكن الحديث معهم والاستماع إليهم وفهمهم هو ما يهم في وقت يعمل فيه المغرب على ترسيخ إنجازاته الديمقراطية. وهذا يتطلب تعديلات عاجلة وواضحة: إصلاح حقيقي للتعليم الوطني، ونظام صحي جدير بهذا الاسم، بعيدا عن الشعارات والخطابات الفارغة، وعدالة اجتماعية لا تشوبها شائبة، وفرص عمل، ونضال شرس ضد الأمية والبطالة، وظروف معيشية كريمة، لأن المجتمع يحتاج إلى إصلاحات عاجلة وواضحة. إن المغربي لا يطلب القمر، فهو يريد فقط أن يحصل على طعام على مائدته، وأن يعمل ويكسب خبزه اليومي، وأن يعامل باحترام وكرامة.