اقتصادكم
رمضان خير من ألف شهر بالنسبة إلى الباحثين عن الأجر والثواب، وهو كذلك أيضا بالنسبة إلى بعض الأنشطة التجارية، التي تشهد رواجا ملحوظا خلال هذا الشهر، فهناك العديد من الأشخاص الذين يستغلون هذه المناسبة وبعض العادات المصاحبة لها، حتى وإن كانت لا تمت إلى الدين بصلة، وذلك من أجل تحقيق مكاسب مادية من خلال مجموعة من النشاطات التي لا تظهر سوى خلال الشهر الفضيل، وتختفي بعد ذلك إلى العام المقبل، كما أن هناك بعض النشاطات، وإن كانت تروج طيلة السنة، فإنها تعرف خلال هذا الشهر إقبالا أكثر، خاصة تلك التي ترتبط ببعض الطقوس التي تعرفها هذه الليلة.
على رأس هذه الأنشطة تأتي تجارة البخور بكل أنواعها ومواد أخرى مرتبطة بالشعوذة، وتشهد المحلات المتخصصة في بيع هذه المواد إقبالا منقطع النظير خلال العشر الأواخر من رمضان، خاصة في الليلة السادسة والعشرين من رمضان التي تصادف حسب اعتقاد العديد من المغاربة ليلة القدر، التي تعرف مجموعة من الطقوس.
الحاج عبد الرحمان، صاحب محل لبيع البخور، يستعد لشهر رمضان بشكل مبكر، إذ يجلب كل أنواع البخور، وأوضح أن الطلب على هذه المواد يرتفع طيلة شهر رمضان، لكن خلال هذه الليلة يحقق أعلى المبيعات، مضيفا أن زبناءه متنوعون وينتمون إلى كل الطبقات الاجتماعية، وذلك سعيا إلى التبرك بهذه الليلة المباركة. فكل الطبقات الاجتماعية تتقاسم طقوس هذه الليلة مع بعض الاختلافات الطفيفة.
وأشار بتردد إلى أن "رقم معاملاته" خلال هذا الشهر يمكن أن يتضاعف 4 مرات، ونفى نفيا قاطعا أن يكون ممن يروجون المواد التي تدخل في الشعوذة وصناعة بعض التمائم، التي تستعمل في السحر، لكنه في الوقت نفسه أكد أن هناك العديد من المحلات التي تبيع هذه المواد خلال هذه الليلة وأن بعض المشعوذين والمشعوذات لهم علاقة بأصحاب هذه المحلات، إذ يرسلون "زبائنهم" والوافدين عليهم إلى هذه المحلات لشراء بعض المواد من أجل استعمالها في إعداد تمائم لهم، بل هناك بعض المشعوذين يملكون محلات لبيع هذه المواد، ويمكنهم ذلك من بيع هذه المواد عدة مرات لأشخاص مختلفين، إذ بعد أن يصف المشعوذ الوصفة التي يتعين على زبونه اقتناءها دون أن ينسى أن يصف له عنوان المحل الذي يمكن أن يحصل فيه على هذه المواد، يوصيه بأن يأتي بها إليه ليعد له حاجته، لكن بمجرد ما يغادر الزبون المكان يقوم المشعوذ بإرجاع هذه المواد إلى محله التجاري أو إلى المحلات التجارية التي يتعامل معها، إذا لم يكن له محل خاص به، وذلك من أجل إعادة بيعها لوافد آخر وهكذا دواليك، وبذلك يعاد بيع المنتوج نفسه مرات متكررة.
وأكد الحاج عبد الرحمان أنه يعرف بعضا من هؤلاء المشعوذين من يملك عمارات وعقارات ومشاريع موازية لنشاطه الرئيسي، وتعد مداخيل هؤلاء بالملايين. وما دامت المحلات المتخصصة في بيع هذه المواد في تكاثر، فإن ذلك يعني أن هناك طلبا متناميا، ورغم عدم وجود دراسة وإحصائيات مضبوطة حول هذه الأنشطة، فإن الرواج الذي تعرفه المحلات المتخصصة في بيع هذه المواد والإقبال المتزايد عليها، يمكن أن يعطي فكرة عن حجم معاملات هذا "القطاع". فالراغب في اقتناء هذه المواد لا يهمه السعر بقدر ما يسعى إلى تحقيق مبتغاه، ومن أجل ذلك هو مستعد لدفع أي ثمن.
أحد تجار هذه المواد بالجملة أكد لـ"اقتصادكم" أن المبالغ التي تنفق لاقتناء هذه العينة من المواد تقدر بالملايير. بمعنى أنه أصبح بالإمكان أن نتحدث عن اقتصاد الشعوذة الذي يتشكل من المشعوذين والتجار ومستهلكي هذه المواد.
لكن للأسف لا تتوفر معطيات إحصائية مضبوطة حول حجم النشاط من أجل التمكن من معرفة نسبة مساهمته في الناتج الداخلي الإجمالي.
أنشطة أخرى تزدهر خلال هذه الليلة والأيام الموالية لها، ويتعلق الأمر باستوديوهات التصوير، التي ينصب أصحابها منصات أمام محلاتهم من أجل استقبال الأطفال والفتيات الذين يجلبهم آباؤهم لأخذ صور تذكارية ويستمر هذا النشاط طيلة الأيام المتبقية من رمضان، بعضهم يكترون محلات ويجهزونها لاستغلالها لهذا الغرض. الإقبال يكون ملحوظا أيضا خلال هذه الأيام على محلات بيع الفواكه الجافة، إذ لا تخلو جل الموائد المغربية من هذه المنتوجات في هذه المناسبة.
من جهة أخرى تتحول المقابر خلال رمضان إلى أماكن لترويج مجموعة من المنتوجات والمواد المرتبطة بطقوس زيارة المقابر، التي تعج خلال هذا اليوم بالباعة المتجولين الذين يعرضون سلعا مختلفة من قبيل الشموع والتين المجفف والخبز وماء الورد، حفظة القرآن ينتظرون بدورهم هذا اليوم بفارغ الصبر، إذ يكثر الطلب على خدماتهم في هذه المناسبات.
وهكذا يتحول رمضان إلى مناسبة لترويج عدد من السلع والخدمات المرتبطة بطقوسها، سواء تعلق الأمر بالمواد الغذائية أو الألبسة، خاصة منتوجات الصناعة التقليدية التي يرتديها المغاربة خلال هذا الشهر. لذا أصبح شهر رمضان والطقوس المصاحبة له يمثل مناسبة لمجموعة من القطاعات الاقتصادية والتجارية، ولم يعد يقتصر فقط على بعده الديني التعبدي.