اقتصادكم
ينظرعادة للبنوك المركزية، بما فيها بنك المغرب، على أنها حارسة للاستقرار النقدي والمالي، لكنها أضحت في الوقت الراهن تواجه تحديا إضافيا ينبغي أخذه بالاعتبار، ويتمثل في مكافحة التغير المناخي.
وتطرح أسئلة جوهرية حول الكيفية التي يمكن من خلالها لهذه المؤسسات أن تكيّف استراتيجياتها وسياساتها المالية لتأخذ بعين الاعتبار تحديات المناخ، التي ما فتئت تتفاقم خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح عمر باكو، الخبير الاقتصادي المتخصص في سياسات الصرف، في تصريح للصحافة، أن الدور الأساسي للبنوك المركزية يكمن في “الحكامة النقدية”، وتنظيم الحجم الإجمالي للسيولة بما يتوافق مع تطور النشاط الاقتصادي.
وأبرز أنه بفضل “استقلاليته”، ينبغي للبنك المركزي ألا ينخرط في مهام من شأنها تعريض هذا الوضع للخطر.
وأكد باكو أن ذلك يعني أن مساهمة البنك المركزي في جهود مكافحة التغير المناخي ينبغي أن تتم من خلال إجراءات تحترم استقلاليته، بما في ذلك، على وجه الخصوص، تسريع رقمنة الخدمات البنكية، التي من شأنها تقليص تنقل الزبناء واستهلاك الطاقة الأحفورية.
وأضاف أن تقليص أو إلغاء استخدام الورق وإيصالات الشبابيك البنكية، وكذا الترويج للخدمات البنكية عبر الهاتف المحمول كبديل إيكولوجي للخدمات البنكية التقليدية، تدخل أيضا ضمن التدابير التي ستمكن البنك المركزي من المساهمة بشكل فعلي في مكافحة التغير المناخي، مع الاستمرار في أداء مهامه الأساسية في ما يتعلق بالحكامة النقدية والاستقرار المالي.
وقد انخرط بنك المغرب منذ عدة سنوات، في الجهود الوطنية والعالمية لمكافحة التغير المناخي وعواقبه. وهكذا يتعبأ البنك إلى جانب وزارة المالية والجهات التنظيمية المالية الأخرى من أجل بلورة استراتيجية لتمويل مكافحة التغير المناخي.
ومن شأن هذه الاستراتيجية أن تتيح تقييم فجوة التمويل الأخضر وتحديد التدابير والآليات الكفيلة بتمكين القطاع المالي الوطني، وكذا المؤسسات المالية الأجنبية، من تكثيف مساهماتها في التمويل الأخضر والمناخي.
وفي ما يتعلق بتدبير احتياطياته من النقد الأجنبي، يدرج البنك مبدأ الاستدامة في توجيهاته الاستثمارية، وذلك من خلال تشجيع الاستثمارات ذات الطابع المستدام والمسؤول، والاستثمار في السندات الخضراء التي تمثل حاليا 7% من احتياطيات النقد الأجنبي، في أفق تحقيق هدف 10 %.
وكان والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، قد أكد خلال ندوة عقدت مؤخرا حول “التأثير الماكرو-اقتصادي للتغير المناخي”، أن البنوك المركزية مطالبة بمراعاة تأثير التغير المناخي خلال قيامها بمهامها.
وأشار إلى أن هذا التغيير يؤثر على النمو والتشغيل والتضخم، وهي المتغيرات الرئيسية التي تقوم عليها قرارات السياسة النقدية، كما أن المخاطر المرتبطة بالمناخ تؤثر على نشاط البنوك وشركات التأمين وبشكل عام على الاستقرار المالي.
كما أشار الجواهري إلى أن النقاش والتفكير بشأن هذه المسألة يتواصل داخل البنوك المركزية والهيئات الدولية مثل مجلس الاستقرار المالي أو شبكة تخضير النظام المالي، التي تضم أكثر من 100 بنك مركزي ومشرف مالي.