اقتصادكم
قال عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، إن اختيار موضوع "الاستقرار المالي في إفريقيا في ظل الشكوك الجيو-اقتصادية والمخاطر الناشئة " في المنتدى الإقليمي رفيع المستوى حول الاستقرار المالي جاء لتسليط الضوء على التحديات المعقدة التي تواجهها الدول في السنوات الأخيرة، خاصة منذ سنة 2020. فبالإضافة إلى الجائحة وتبعاتها، شهد العالم سلسلة من الصدمات المرتبطة بتزايد النزاعات، وتكرار الظواهر المناخية القصوى، وبروز الضغوط التضخمية.
وأشار والي بنك المغرب، في كلمة ألقاها على هامش النسخة الرابعة من المنتدى الإقليمي اليوم الثلاثاء بالرباط، إلى التحولات العميقة والتغيرات في النماذج التي ما لبثت تعيد تشكيل الساحة الاقتصادية والاجتماعية والمالية العالمية، ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بالانقسام الجيو-اقتصادي، وتصاعد الحمائية، والرقمنة، وتطور الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى التطورات الديموغرافية.
وأضاف الجواهري أن هذه التحولات تسببت في إفراز مستويات عالية من الشكوك، كما يؤدي إلى ظهور مخاطر جديدة معقدة يصعب الوقاية منها و تدبيرها، مما يجعل اتخاذ القرارات سواء العامة أو الخاصة تحديًا حقيقيًا.
وأدت الجائحة التي شهدها العالم سنة 2020، حسب المتحدث ذاته، إلى استجابة غير مسبوقة من السلطات العمومية، مع ما صاحب ذلك من تدابير صحية ساهمت انعكاساتها على سلاسل التوريد في ارتفاع الضغوط التضخمية التي شهدناها في السنوات الأخيرة. في نفس السياق، أدت الجهود المالية واسعة النطاق الرامية لدعم الساكنة والنشاط الاقتصادي إلى تفاقم مستويات المديونية وانخفاض هوامش الميزانية، مما أثار انشغالات بشأن استدامة المالية العمومية في عدد من الدول.
وأوضح الجواهري أن البنوك المركزية، بادرت في إطار مواجهة ارتفاع التضخم، إلى إطلاق دورة تشديد نقدي تعد الأسرع والأكثر اتساقا على مر التاريخ، و تمكنت من كبح التضخم دون التسبب في حدوث ركود، وهو إنجاز تاريخي حسب المتحدث ذاته، غير أن ذلك لم يكن دون انعكاسات من حيث المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي، كما يتبين من خلال الاضطرابات التي شهدتها الأنظمة البنكية بسويسرا والولايات المتحدة، التي، لحسن الحظ، تم احتواؤها بسرعة.
وأشار إلى تأثير هذه الصدمات والتحولات في إفريقيا، حيث أن العديد من بلدان القارة تضرر بشدة من آثار تغير المناخ، بالرغم من كون مساهمتها في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري منخفضة جدا نسبيا.
كما تأثرت إفريقيا بشكل خاص بتزايد أسعار المواد الغذائية عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، مما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى مستويات استثنائية بالإضافة إلى تقليص القدرة الشرائية الضعيفة للسكان. فوفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، بلغ التضخم في إفريقيا جنوب الصحراء 16,2% في المتوسط سنة 2023، واليوم وبالرغم من انخفاضه الملموس، لا يزال مستوى الأسعار مرتفعا.
من ناحية أخرى، ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، وصل الدين العمومي في إفريقيا إلى ما يقارب 1800 مليار دولار بحلول نهاية سنة 2023، وهو ما يمثل 60% من الناتج الداخلي الإجمالي لبلدان جنوب الصحراء وحوالي 77% بالنسبة لبلدان شمال إفريقيا، أي ما يعادل ضعف مستواه المسجل سنة 2010. ففي ظرف عشر سنوات، انتقل الدين الخارجي لإفريقيا من أقل من 20% من الناتج الداخلي الإجمالي إلى ما يناهز 30%، وتضاعف معدله نسبة إلى الصادرات إلى 140% تقريبا.
بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر لوتيرة الثورة الرقمية وتطور الذكاء الاصطناعي، فإن العديد من البلدان الإفريقية غير المستعدة بما يكفي للاستفادة من الفرص المتاحة، تجد نفسها اليوم في مواجهة المخاطر التي تنجم عن هذه التطورات، لا سيما التهديد السيبراني، مما يزيد للأسف، من اتساع الفجوة مع دول الشمال.
وأمام هذه التحديات، تمتلك إفريقيا الإمكانيات اللازمة لمواصلة تنميتها ونهضتها. وتتمثل ثروتها الرئيسية في رأسمالها البشري، كونها تزخر بساكنة شابة قوية النمو، وبموارد طبيعية وفيرة وأراض صالحة للزراعة ومناجم للخامات والمعادن الثمينة، يضيف الجواهري.