حكامة المالية العمومية.. تحديات التأقلم وإعادة الهيكلة

آخر الأخبار - 02-11-2024

حكامة المالية العمومية.. تحديات التأقلم وإعادة الهيكلة

اقتصادكم

 

ناقشت “المناظرة الدولية للمالية العمومية”، في دورتها السادسة العشرة، إعادة هيكلة حكامة المالية العمومية بالمغرب وفرنسا، مع استحضار سياق الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب على رأس وفد رفيع ضم قرابة 120 شخصا.

المناظرة، التي تنظمها وزارة الاقتصاد والمالية بشراكة مع جمعية المؤسسة الدولية للمالية العمومية (FONDAFIP) ، ودعم من المجلة الفرنسية للمالية العمومية (RFFP)، هي فرصة لتحليل وتقييم حكامة المالية العمومية ومناقشة التحديات الكبرى التي تواجه إعادة هيكلتها، حيث عرض المتدخلون تقارير مفصلة عن الوضعية الراهنة للمالية العمومية سواء في المغرب أو فرنسا.

الأزمات تغير التفكير في حكامة المالية العمومية

وقالت نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، خلال إلقائها لكلمة افتتاحية، إن “العالم يمر بفترة صعبة مع تباطؤ النمو وارتفاع التضخم وارتفاع الدين العمومي نتيجةُ تعاقب الأزمات (كوفيد-19 والحرب الأوكرانية الروسية وزلزال الحوز) التي لا يمكن التنبؤ بها وتحدث بشكل متقارب "، وهو ما يستدعي " التفكير خارج الصندوق، وتجاوز التفكير التقليدي بخصوص حكامة المالية العمومية ونماذج تدبيرها".

وأشارت الوزيرة إلى أن التحديات التي يواجهها المغرب أو العالم ليست مالية بل جيوسياسية ومناخية واقتصادية واجتماعية، وهو ما دفع الدول إلى اعتماد مقاربات مرنة في التدبير المالي العمومي تجمع بين الرؤية طويلة الأجل والقدرة على الاستجابة السريعة والفعالة للأحداث غير المتوقعة وحالات الطوارئ مثل جائحة كوفيد-19 وزلزال الحوز الذي دفع المملكة لتفعيل تدابير استثنائية لدعم المقاولات والنمو الاقتصادي، وحماية القدرة الشرائية للأسر.

وأضافت وزيرة الاقتصاد والمالية أن الحلول قصيرة الأجل تخرج الدول من المواقف الصعبة، ولكنها تدفع نحو تكريس طرق عمل ليست بالضرورة نموذجا للفعالية الاستراتيجية خاصة في المالية العمومية، معتبرة أنه منذ اعتماد القانون التنظيمي للمالية عام 2015، أصبحت رقابة البرلمان على المالية العامة أفضل، بفضل كمية ونوعية المعلومات المتاحة.

مواصلة تحسين الحكامة للمالية العمومية

ومن جهته اعتبر نور الدين بنسودة، الخازن العام للمملكة، أن التقرير التمهيدي للمناظرة الدولية يحيل على ثلاثة اتجاهات رئيسية، أولها” الزيادة في الإنفاق، وخاصة على مستوى الاستثمار وكتلة الأجور، حيث تضاعفت النفقات الاستثمارية بـ 5.2 مرات بين عامي 2013 و2023، من 21.3 إلى 110.8 مليارات درهم، بينما انتقلت كتلة الأجور بين عامي 2001 و2023 من 52.7 مليار درهم إلى حوالي 152 مليار درهم.

ويتعلق الاتجاه الثاني بدمج مهن ونظم للمعلومات بينما يتمثل الاتجاه الثالث في نقص إيرادات الدولة لتغطية النفقات التشغيلية والاستثمارية ، مشيرا إلى انخفاض معدل تغطية النفقات الإجمالية من 67.3 بالمائة عام 2001 إلى 85.9 بالمائة عام 2008 إلى 65.2 بالمائة عام 2023.

وأبدى الخازن العام للمملكة اقتناعه التام بمواصلة تحسين وتطوير الحكامة للمالية العمومية مؤكدا أن قرارات المالية العمومية هي قرارات سياسية تعكس برامج الحكومة، ومشيدا بالمجهودات المبذولة وأبرزها إصلاح القانون التنظيمي لقانون المالية سنة 2015.

فرنسا وتخفيف العبء الضريبي

وأكد سفير فرنسا بالمغرب كريستوف لوكورتييه أهمية هذه المناظرة في خلق روابط متينة للتعاون الاقتصادي والمالي بين البلدين، مشيرا إلى الزيارة التاريخية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب التي كان جزء منها.

وفي تحليله للمنظومة المالية الفرنسية ومؤشراتها، نوه السفير بالمجهودات التي قامت بها باريس في السنوات الأخيرة، من أجل على تخفيف العبء الضريبي على المواطنين وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة IDE، التي فاقت 30 مليار أورو سنويا، بالإضافة إلى الإصلاحات الضريبية، ومنها تحصيل ضريبة على الثروة في فرنسا.

وأشار المتحدث إلى أن المغرب يمكنه الاستفادة من السياسة الاقتصادية الفرنسية التي تعتمد التبسيط والبساطة في تدابير المالية العمومية من أجل إعادة هيكلته لنماذج الحكامة المالية، مشيدا بالمجهودات التي يقوم بها المغرب في السنوات الأخيرة في هذا الإطار.

الأنظمة المالية العمومية وتحول الدولة

وأشار ميشال بوفييه، الأستاذ الفخري في جامعة باريس 1 بانتيون- السوربون، ورئيس “FONDAFIP”، ومدير المجلة الفرنسية للمالية العمومية، إلى أن الفحص الدقيق لأنظمة المالية العامة على مدى 45 سنة الماضية يكشف عن تغيير تدريجي يؤدي إلى ما أسماه “تحول الدولة"، مضيفا أن: " هذا التطور في الأنظمة المالية العامة يحدد أيضًا التحول وإعادة تشكيل المجتمع ككل، وأن زعزعة الأنظمة المالية العامة تمثل في خصخصة البنوك والشركات العامة وتحرير الأسواق المالية".

وأضاف أن “بروز هذا النمط الجديد يتأسس بشكل كبير على تحول هذه الأنظمة التي تشكل ركيزة الدولة، وهو تحول ينعكس من خلال تفكيك وإعادة هيكلة نموذج الحكامة المالية العمومية، وهو أمر لا يسهل تحليله دائما”.