غلاء مواد البناء يلهب تكاليف ترميم المساكن

آخر الأخبار - 20-05-2023

غلاء مواد البناء يلهب تكاليف ترميم المساكن

اقتصادكم

تشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن ثلثي الأسر تمتلك منازلها، إذ يفضل المغاربة خيار اقتناء السكن على الإيجار، إلا أن عملية البحث عن سكن مناسب، أصبحت "مهمة مستحيلة" من وجهة نظر عدد كبير من الملاك الجدد، بالنظر إلى ظروف السوق الحالية، التي تتسم بارتفاع قياسي في الأسعار، وندرة العروض "المناسبة" لذوي الدخل المنخفض في المدن الكبرى، يتعلق الأمر بأسعار بلغت 13 ألف درهما للمتر مربع في أحياء شعبية في البيضاء، وهو الأمر الذي يكشفه تحيين الأسعار المرجعية للعقارات، الذي أجرته المديرية العامة للضرائب حديثا.


وهربا من حرائق الأسعار في المشاريع العقارية الجديدة، تحول عدد مهم من الباحثين عن مسكن إلى الاهتمام بعروض السكن المستعمل "أوكازيون"، كما يحلو للسماسرة والوكلاء العقاريين مناداته. شقق سكنية ذات مساحة معقولة، يصل عمرها إلى عشرة سنوات أو أكثر، تمثل "همزة" بالنسبة إلى الراغبين في اقتناء سكن، إذ يقل سعر المتر مربع فيها عن الجديد بنسبة تصل إلى 40 % في بعض الأحيان، إلا أن العارفين بخبايا السوق العقاري، يؤكدون أنها صفقة تحتمل مخاطر عدة، فاقتناء شقة قديمة وترميمها من جديد، يتطلب مبلغا ماليا مهما، بغض النظر عن "مزايا" السعر والجودة، التي يعتمد عليها السماسرة لتسويق هذا النوع من السكن.


يفضل المغاربة خيار التملك على الكراء، فاقتناء "قبر الحياة" بالنسبة إليهم غاية تدرك  ولو بعد حين، وصورة من صور النجاح. أما الإيجار فيمثل استثمارا في ملك الغير، ويدخل في باب "السفه"، وفق أغلب الأسر، إذ تعتبر فاطمة، ربة بيت، كراء عقار للسكن بشكل دائم، عبث وتدبير غير معقلن للنفقات، موضحة بالقول، إن "السومة الإيجارية التي تؤدى شهريا إلى مالك العقار المكترى، يمكن تحويلها بسهولة إلى قسط لفائدة قرض عقاري، يتيح في النهاية تملك السكن"، علما أن اقتناء سكن هو بمثابة استثمار طويل الأمد، إلا أن هذه الكلفة تحتمل مجموعة مخاطر، إذ يتحدث حسن، صاحب وكالة عقارية بالبيضاء، عن تركز الطلب خلال السنوات الأخيرة على المساكن المستعملة، بعد ارتفاع سعر المتر مربع في المشاريع العقارية الجديدة إلى مستويات قياسية، رغم ارتفاع تكاليف ترميم المساكن المذكورة، نتيجة تطور أسعار مواد البناء، موضحا أن كلفة ترميم شقة مساحتها 130 متر مربع، يمكن أن يتراوح بين 13 مليون سنتيما (130 ألف درهما) و15 مليونا.


وبهذا الخصوص، يؤكد الوكيل العقاري، أن كلفة ترميم السكن المستعمل لا تتحكم فيها المساحة، بقدر ما تحددها طبيعة مواد البناء المستخدمة ونوعيتها، مؤكدا حسن الترميم يرفع جودة السكن، رغم أن العملية تستغرق زمنا طويلا وتتضمن تفاصيل معقدة، وقدرة على التعامل مع المستجدات غير المتوقعة، ذلك أن تجديد شقة سكنية في عمارة قديمة، يتطلب تغيير بلاط الأرضية والزليج، إلى جانب أعمال الرصاصة وإعادة تثبيت توصيلات الكهرباء، ما يفترض بالضرورة هدم جدران من أجل توسيع أو خلق مساحات جديدة، قبل الانتقال إلى الأشغال النهائية "الفينيسيون"، التي تتضمن أعمال النجارة والألمنيوم و"السانتير"، وكذا صيانة المطبخ وتجهيزاته، وإكسسوارات الكهرباء، إلى جانب الصباغة.


"طاشرونات" متخصصين

شهدت الفترة أخيرا، إقبال مجموعة من الملاك الجدد لمساكن مستعملة خلال عمليات تجديدها، على خدمات مقاولين متخصصين، ينشطون في أعمال الترميم، وهو الأمر الذي يؤكده إبراهيم، مقاول "طاشرون"، اختار الاستثمار في هذا النوع من الأنشطة، غذ يتوفر على فريق من عشرة عمال، ويباشر العمل في ورشين أو ثلاث في الآن نفسه، بالاستعانة بعناصر أخرى، موضحا أن الطلب على أعمال التجديد تطور أكثر من البناء، وأصبح نشاطا مربحا، علما أن كلفة ترميم بعض الشقق المستعملة، تجاوزت كلفة اقتناءها جديدة في الموقع نفسه، منبها إلى أن الجودة رفاهية يقدرها بعض الملاك، ولا يبخلون في الإنفاق على تحقيقها.


وبهذا الخصوص، أوضحت مريم، موظفة، أن جودة الشقة وجماليتها، كانت وراء قرار اقتناء سكن مستعمل، من أجل توفير المال لأغراض الترميم، إذ أنفقت مبالغ مالية مهمة على سكن اجتماعي مستعمل بمنطقة الألفة بالبيضاء، من خلال تمويل أعمال تبليط بعض المناطق بالرخام والصباغة، وكذا تثبيت نوافذ كهربائية، ومطبخ مجهز "كويزين إيكيبي" وغيرها من الأشغال، التي كلفت في النهاية حوالي 80 ألف درهم، بالنسبة إلى شقة لا تتجاوز مساحتها 56 متر مربعا. هذا التوجه ما فتئ يتزايد في صفوف الملاك الجدد، الذين أصبحوا متطلبين بخصوص جودة السكن، سواء كان قديما أو جديدا، وهو الأمر الذي أكدته سهام، مسؤولة تسويق بشركة عقارية في البيضاء، موضحة أن الزبناء يستفسرون خلال معاينتهم للشقة التجريبية، حول جودة مرافق السكن ودقة الأشغال النهائية، وهي ميزة تستغل بشكل رئيسي في تسويق أي مشروع جديد.

كلفة "الفينيسون"

بالعودة إلى المثال الذي ساقه الوكيل العقاري حول تأرجح تكلفة ترميم شقة مستعملة، مساحتها 130 متر مربعا، بين 130 ألف درهما و150 ألفا، فإن شقة بالمساحة نفسها في حي مثل بوركون أو 2 مارس، يمكن أن يصل سعر المتر مربع فيها إلى 15 ألف درهما، لتصل قيمتها إلى 1.95 مليون درهم، فيما ترتفع القيمة إلى 2.1 ملايين درهم، عند إضافة كلفة الترميم المشار إليها، وهي القيمة التي تعادل سعر شقة جديدة بالمناطق نفسها، إذ يصل سعر المتر مربع إلى 18 ألف درهم، وهو السعر نفسه لشقة مستعملة في حي المعاريف، الذي يبلغ سعر المتر مربع فيه 20 ألف درهم  بالنسبة إلى السكن الجديد. هذه الأسعار والمقارنات التجارية، تأخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ  قرار اقتناء سكن، وهو الأمر الذي يدركه الوكلاء العقاريون أمثال حسن وغيره، موضحا أن يسأل زبنائه، خصوصا الأزواج الجدد الباحثين عن سكن، عن ميزانيتهم والصيغة التمويلية التي سيعتمدون عليها في شراء سكنهم، قبل تمكينهم من العروض المتوفرة لديه.


وبالاعتماد على المثال نفسه، فإن تكلفة ترميم الشقة (130 متر مربعا)، يمكن أن تصل بنسبة كبرى إلى 150 ألف درهما، منها تسعة آلاف درهم لتمويل السلع والمواد الأولية، من اسمنت ورمل، فيما سيخصص مبلغ ستة آلاف درهم لأداء أجل اليد العاملة، إذ يفسر المتخصصون ارتباط ارتفاع كلفة الأجور بحجم الأشغال الخاصة بهدم الجدران ونزع البلاط، وكذا معالجة الشقوق، وتثبيت طلاء مضاد للرطوبة،.فيما تمتص جزء مهما من ميزانية التجديد، ذلك أن تغيير وصلات ربط اللاقط الهوائي "بارابول" وخطوط الهاتف، وكذا الأسلاك الكهربائية، إذ تصل كلفة السع وأجرة العمال إلى 13 ألف درهما، دون احتساب كلفة تغيير عداد الكهرباء البالغة ألف درهم.


وتضاف إلى التكاليف السابقة، كلفة أعمال الرصاصة، التي تتراوح بين 11 ألف درهما و13 ألفا، إذ تتضمن تجديد أسطوانات الربط بالماء في الشقة، ناهيك عن تثبيت سخان مياه وأنابيب تهوية لحمامين ومطبخ، في الوقت الذي تتراوح كلفة أعمال الجبس بين 65 درهما للمتر مربع و200 درهم، ليستقر متوسط الكلفة عند 150 درهما للمتر مربع، وهو المبلغ المعتمد لإنجاز أشغال الشقة بأكلها، دون الحمامات والمطبخ، ما يرفع الكلفة إلى 15 ألف درهما. أما الأرضية فستمتص من جملة التكاليف مبلغ 30 ألف درهم، من اجل الحصول على بلاط بجودة عالية، يغطي إجمالي مساحة المسكن، إلى جانب قطع رخام للاستخدام بالمطبخ، وكذا قطع صغيرة لتزيين الصالون بسعر خمسة آلاف درهم. كما تفرض أعمال النجارة نفسها عند تجديد الشقة، ما سيكلف حوالي 13 ألف درهما، تتضمن تغيير الأبواب وتثبيت بعض الإكسسوارات الخشبية، علما أنه ينصح باستبدال الباب الرئيسي بآخر متين، تتراوح كلفته بين أربعة آلاف درهم وخمسة آلاف، بينما تكلف أشغال الألمنيوم الخاصة بستة نوافذ، قياس 1.5 متر على 1.5، مع محرك كهربائي، حوالي 12 ألف درهم، علما أن تجديد "السانتير" الخاص بالحمام، تتطلب مبلغا قيمته ستة آلاف درهم.

جودة المواد تلهب ميزانية الترميم 

يرتبط تحديد كلفة ترميم السكن المستعمل، بجودة المواد، ذلك أن السلع والمواد ذات القيمة المادية العالية تلهب ميزانية تجديد الشقة، ذلك أن الصباغة مثلا بالنسبة إلى تلك البالغ مساحتها 130 متر مربعا، تبدأ من ستة آلاف درهم، لتصل إلى 25 ألف درهما، حسب نوعية المواد المستخدمة، فيما تبلغ كلفة طلاء زخرفي في الصالون والردهة وغرفة المعيشة بسعر يتراوح بين 140 درهما للمتر مربع و180 درهما، لتقفز الكلفة في المتوسط إلى 15 ألف درهما، إلى جانب بعض أشغال الزينة والإكسسوارات الإضافية، إذ يصل متوسط كلفة جدار حجري إلى أربعة آلاف و500 درهم، ومدخنة إلى 13 ألف درهم، إضافة إلى كلفة تثبيت مكيف هوائي بقيمة ثمانية آلاف درهم.