اقتصادكم
في حدث لم تشهده بريطانيا منذ نحو 7 عقود يُتوج، تشارلز الثالث، اليوم السبت، ملكا في طقوس مسيحية مهيبة تعود إلى ألف سنة من التاريخ والتقاليد العراقية، بيد أنه جرى تكييفها لتعكس صورة بريطانيا في القرن الحادي والعشرين.
وسوف تكون مراسم التتويج، التي ستحضرها الأميرة للا مريم، ممثلة عن الملك محمد السادس، هي الأولى لملك بريطاني منذ 1937، وهي تأكيد ديني على اعتلائه العرش خلفا لوالدته الملكة إليزابيث الثانية التي توفيت في سبتمبر من العام 2022، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
وسوف يقام جزء كبير من المراسم الأنغليكانية في كنيسة "ويستمنستر"، وستتوج خلالها أيضا زوجة تشارلز الثانية كاميلا ملكة للبلاد، بيد أنه سوف يكون هناك أيضا خروج واضح عن التقاليد مع مشاركة أساقفة نساء وقادة ديانات أقلية، وقائمة مدعوين أكثر تنوعا وتمثيلا للمجتمع البريطاني.
وستقرع أجراس الكنائس في مختلف أنحاء البلاد، قبل أن ينطلق جنود متحمسون من المشاة والخيالة في عرض يضم سبعة آلاف عسكري في شوارع العاصمة.
وسيعود الملك تشارلز وقرينته كاميلا إلى قصر باكنغهام في العربة المذهبة التي قلما تُستخدم، أمام حشود كبيرة قبل أن يتابعا عرضا جويا من شرفة القصر.
ومراسم التتويج، هي ثاني مراسم من نوعها تُبث على التلفزيون والأولى بالألوان وبخدمة البث التدفقي على الانترنت. وتُعد تأكيدا دينيا لاعتلاء تشارلز العرش.
وتستغرق عملية التتويج في الكنسية ساعتين برئاسة أسقف كانتربري جاسن ويلبي، وهو تقليد متوارث من ألف عام عن أسلاف الملك وعددهم 39 تُوّجوا في كنيسة "ويستمنستر" منذ عام 1066.
ولكن بينما بقيت العديد من طقوس وتقاليد الاعتراف بتشارلز ملكا دون تغيير، سعى الملك لتحديث جوانب أخرى من المراسم.
فبالإضافة إلى مشاركة نساء أساقفة قادة أقليات دينية أخرى للمرة الأولى في تتويج ملك، فسيكون هناك أيضا دور بارز للغات القلطية مثل اللغة الويلزية واللغة الغيلية الأيرلندية.
وبصفته ملكا، يترأس تشارلز كنيسة إنكلترا لكنه يقود بلدا أكثر تنوعا دينيا وعرقيا عن الذي ورثته والدته في ظل الحرب العالمية الثانية.
وسعى تشارلز أيضا لأن تكون قائمة المدعوين وعددهم 2300، أكثر تمثيلا للمجتمع البريطاني، فدعا أفرادا من عامة الناس ليجلسوا إلى جنب رؤساء دول وملوك وأمراء من أنحاء العالم.
وستمتلئ كنيسة "ويستمنستر" بأزهار موسمية وأغصان خضراء من جزيرة آيل أوف سكاي في شمال غرب اسكتلندا حتى كورنوال عند الطرف الساحلي الغربي لإنكلترا.
وحُظرت قطع الاسفنج الرغوية الخاصة بالزهور ذات الاستخدام الواحد، وسيتم التبرع بكل الأزهار لجمعيات خيرية تساعد المسنّين والضعفاء.
الجماهير احتشدت لتحية الموكب الملكي
الجماهير احتشدت لتحية الموكب الملكي
وستُستخدم أثواب احتفالية معاد تدويرها من مراسم تتويج سابقة، وسيكون الزيت الذي سيُمسح به تشارلز نباتيا.
معارضة وامتعاض
لكن ليس الجميع في مزاج احتفالي، فالمعارضون الجمهوريون الذين يطالبون برئيس دولة منتخب، وضعوا خطة للاحتجاج في يوم التتويج مع شعارات تقول "ليس مليكي" (NOT MY KING).
ويبدو حماس الأشخاص الأصغر سنا لحفل التتويج والملكية عموما فاترا، وفق استطلاعات للرأي.
فقد ألمحت كل من أستراليا وبليز وجامايكا إلى خطوات نحو التحول إلى نظام جمهوري، بينما يواجه تشارلز أيضا دعوات لتقديم اعتذار عن ضلوع أسلافه في الاستعمار وتجارة الرقّ، بحسب وكالة فرانس برس.
وبالعودة إلى بريطانيا، يأمل القادة السياسيون في أن تُظهر مراسم التتويج بريطانيا في أفضل أحوالها، وتعمل بطريقة ما لإصلاح موقعها الدولي الذي تضرر بخروجها من الاتحاد الأوروبي.
وسيكون الرئيسان الفرنسي والألماني وكبار قادة الاتحاد الأوربي من بين 2300 مدعو سيحضرون المراسم، إلى جانب أفراد من عائلات ملكية من أنحاء العالم.
ورغم الأمطار الغزيرة الجمعة وتوقعات بمزيد من الأمطار في عطلة نهاية الأسبوع، بدأ محبو العرش البريطاني بالتخييم على شارع ذا مول المؤدي إلى قصر باكنغهام طمعا في متابعة المراسم من أفضل الأماكن.
وجاءت كارول فيرفاكس (45 سنة) وابنها تشارلي البالغ ثمانية أعوام وشقيقتها كارين تشامبرلين (57 سنة) من برمنغهام بوسط إنكلترا وتجهزوا بخيم وأكياس النوم.
وقالت تشامبرلين العاملة في منظمة خيرية لوكالة فرانس برس "الأمر رائع"، مضيفة "والدتنا جاءت إلى لندن في 1951. القدوم إلى هنا طريقة للقول إننا فخورون بالعرش. عسى أن نكون هنا عندما يصبح (وريث تشارلز) وليام ملكا".
ويتلقّى ركاب القطارات رسالة بصوت تشارلز وكاميلا تنبّههم إلى "الفجوة" بين منصة المحطة والقطار.
لكن المزاج الاحتفالي والعرض الفخم للمجوهرات والتيجان والعربات المطعمة، يثير توترا لدى العديد من البريطانيين الذي يعانون من ارتفاع كلفة المعيشة وإضرابات واسعة للمطالبة بتحسين الأجور.
وقالت إيدن إيويت (38 سنة) في شمال لندن "لا نعيش الحياة نفسها. الناس الآن يواجهون صعوبات".
وأضافت "أطبخ مرتين فقط في الاسبوع. آكل السندويتشات فقط. بعض الأشخاص لا يأكلون على الإطلاق".
وجزء كبير من كلفة المراسم البالغة 100 مليون جنيه (126 مليون دولار) والممولة بشكل كبير من دافعي الضرائب، قد تكون مخصصة على الأرجح للعملية الأمنية الضخمة.
لكنّ متحدثا باسم قصر باكنغهام قال إن اهتمام العالم "يعوّض وأكثر عن المدفوعات المترافقة معها".
وقالت هيئة تجارية هي "يو كي هوسبيتاليتي" إن المراسم التي تستمر ثلاثة أيام تشمل عطلة رسمية، يوم الاثنين، يمكن أن تعود بمبلغ 350 مليون جنيه على قطاع الترفيه بما فيه الحانات.
وبُذلت كل الجهود لأكبر عروض الفخامة والأبهة البريطانية منذ عقود، والتي تتخطى المراسم الرسمية لدفن الملكة في شتنبر الماضي.
وفي المجموع، سيشارك سبعة آلاف عسكري، من خيالة إلى فرق موسيقية، في العرض الذي يتم التدريب عليه بدقة بالغة.