كيف يعيد المغرب رسم خريطة ريادة الأعمال؟

آخر الأخبار - 23-06-2025

كيف يعيد المغرب رسم خريطة ريادة الأعمال؟

اقتصادكم - حنان الزيتوني

 

في مشهد اقتصادي يزداد تعقيدا وتنافسية، باتت ريادة الأعمال في المغرب خيارا استراتيجيا لا مفر منه. شباب يملكون أفكارا مبتكرة، وسوق يحتاج إلى دينامية جديدة، وسلطات عمومية تبحث عن حلول عملية لخلق الثروة ومناصب الشغل، وفي هذا السياق، لم تعد البرامج التقليدية كافية، بل أصبح من الضروري توفير أدوات تمويل حديثة، حاضنات ذكية، وبرامج فعالة تواكب التحولات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة.

تحفيز ريادة الأعمال في المغرب 

في السنوات الأخيرة، شهد المغرب إطلاق مجموعة من المبادرات النوعية لتحفيز ريادة الأعمال، خصوصا لدى الشباب، ومن بين أبرز هذه الخطوات إنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار، الذي وضع ليكون آلية استراتيجية لدعم المقاولات الناشئة، عبر صناديق استثمار موضوعاتية تغطي قطاعات حيوية مثل الفلاحة، التكنولوجيا، الصحة والطاقة الخضراء. وتمت دعوة شركات دولية ووطنية لتقديم طلبات لإدارة هذه الصناديق، وهو ما أسفر عن عشرات الملفات التي تدرس حاليا. 

ومن جهة أخرى، تم إطلاق منتج مالي جديد تحت اسم "CapAccess" لتمويل الديون الثانوية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، في شراكة بين البنوك وصندوق محمد السادس، أما الجامعات بدورها دخلت هذا السباق، حيث بادرت مؤسسات مثل جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية إلى تأسيس صندوق بقيمة 500 مليون درهم لدعم 60 شركة ناشئة، إضافة إلى حاضنات جامعية ومراكز "المقاول الطالب" التي توفر فضاءات وتجهيزات وتكوينا في تطوير المشاريع.   

اقتصاد أكثر مرونة 

حول هذه الدينامية، يرى عبد الرزاق الهيري، أستاذ جامعي ومدير مختبر تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية بفاس، أن قطاع ريادة الأعمال يشكل ركيزة محورية في اقتصاد السوق. وأكد في اتصال مع موقع "اقتصادكم" أن أهمية هذا القطاع تتجلى في كونه يخلق الثروة ومناصب الشغل، مما يجعل الاقتصاد أكثر مرونة وقوة، وأضاف أن المقاولة تعد اليوم المؤسسة الأساسية في النظام الرأسمالي، وهو ما يستدعي مواكبتها وتشجيعها بكل السبل الممكنة.

وأشار الهيري إلى أن المغرب شهد خلال العقود الأخيرة اهتماما متزايدا بهذا المجال، خاصة مع التحولات العميقة التي يعرفها الاقتصاد الوطني والعالمي. هذا الاهتمام، حسب تعبيره، مرتبط أيضا بالتحديات التنموية على المستوى الترابي، لا سيما فيما يتعلق بالتشغيل ومحاربة الفوارق المجالية. وأوضح أن السلطات العمومية اعتمدت في هذا الصدد مقاربة شاملة، تستهدف المقاولات الشبابية والمبتكرة من خلال أدوات تمويل، مواكبة، تكوين، وتحفيزات مؤسساتية.

عوائق بنيوية

غير أن الهيري لا يخفي وجود عوائق بنيوية تعيق تطور هذا القطاع، وعلى رأسها غياب ثقافة المقاولة في المنظومة التعليمية، وصعوبة الولوج إلى السوق، خاصة في المراحل الأولى من تأسيس المقاولات. كما أشار إلى التفاوت الكبير بين المقاولات في الوسط الحضري وتلك في الوسط القروي، إضافة إلى ضعف العلاقة بين البحث العلمي الجامعي ومتطلبات السوق.

وفي إطار معالجة هذه التحديات، دعا الهيري إلى تعميم الحاضنات على مختلف الجهات، وإلى تطوير آليات تقييم وتتبع أثر البرامج المفعلة على أرض الواقع. 

وشدد المتحدث نفسه، على ضرورة تشجيع الشراكات الفعلية بين الجامعات والمقاولات، وإدراج ريادة الأعمال في المناهج الدراسية منذ السنوات الأولى، من أجل ترسيخ ثقافة المبادرة لدى الأجيال الجديدة.

وتابع الهيري مؤكدا على أن الأدوات الجديدة التي اعتمدها المغرب تمثل نقطة تحول استراتيجية نحو اقتصاد أكثر تنافسية وابتكارا، غير أن نجاحها يظل رهينا بمدى قدرتها على الاستمرار في خلق فرص حقيقية، لاسيما لفائدة الشباب حاملي المشاريع، الذين يعول عليهم في تشكيل نسيج اقتصادي أكثر مرونة واستدامة في المستقبل.