اقتصادكم - حنان الزيتوني
يشهد المغرب في السنوات الأخيرة موجات حرارة غير مسبوقة، تزداد حدتها وطول مدتها سنة بعد أخرى. هذه الظاهرة المناخية، التي باتت تصنف ضمن أبرز تجليات التغير المناخي، تلقي بظلالها الثقيلة على القطاع الزراعي، الذي يعد أحد أعمدة الاقتصاد الوطني ومصدر رزق لملايين المغاربة. فكيف تؤثر هذه الحرارة المرتفعة على المحاصيل الزراعية؟ وما الآفاق التي تنتظر الفلاح المغربي إذا استمر الوضع على ما هو عليه؟
تقليص الإنتاجية وجودة المحاصيل
وفي هذا السياق، يرى الخبير البيئي مصطفى بنرامل أن ارتفاع درجات الحرارة، خاصة خلال المراحل الحساسة من دورة نمو النبات، يؤثر بشكل مباشر على العمليات الحيوية داخل النبات، مثل التمثيل الضوئي والإزهار.
وأضاف الخبير في اتصال مع موقع "اقتصادكم"، أن محاصيل الحبوب، وعلى رأسها القمح والشعير، تعد من أكثر المزروعات تضررا بفعل موجات الحر، خصوصا عند تعرضها لدرجات حرارة عالية في فترة الإزهار، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وتدني الجودة بشكل كبير.
نضج مبكر على حساب الجودة
وأورد بنرامل أن الحرارة المرتفعة تسرع من دورة حياة النبات، فتجبره على النضج المبكر قبل استكمال مراحل امتصاص العناصر الغذائية والماء.
وأكد أن "هذا النضج المتسرع يؤثر سلبا على جودة المحصول، فالطماطم مثلا قد تصبح ذات قشور أكثر سمكا ولب أقل، كما أن البطيخ يفقد طعمه الطبيعي وتضعف قيمته التسويقية".
استنزاف متزايد للموارد المائية
وأفاد الخبير بأن واحدة من أخطر تداعيات الحرارة المرتفعة هي تسريع وتيرة تبخر المياه من التربة وزيادة التعرق النباتي، ما يرفع من حاجيات المزروعات المائية.
وفي ظل استمرار توالي سنوات الجفاف، تصبح التربة غير قادرة على تلبية هذه الحاجيات، مما يؤدي إلى ذبول النباتات وموتها المبكر، خاصة في المناطق التي لا تتوفر على أنظمة ري فعالة أو حديثة.
وأوضح بنرامل أن درجات الحرارة العالية لا تؤثر فقط على النبات بشكل مباشر، بل تخلق أيضا بيئة ملائمة لانتشار الآفات الزراعية والفطريات.
وقال إن "ارتفاع درجات الحرارة يساعد على تكاثر الحشرات مثل الذبابة البيضاء وانتشار أمراض فطرية كـالبياض الدقيقي، مما يضعف مناعة النباتات ويجعلها أكثر عرضة للهجوم، وبالتالي مضاعفة الخسائر".
الأمن الغذائي في دائرة الخطر
وأشار الخبير إلى أن تراجع المحاصيل لا يضر الفلاح فقط، بل ينعكس على السوق برمته، فكلما انخفض الإنتاج ارتفعت الأسعار، ما يعمق معاناة المستهلك المغربي، خاصة ذوي الدخل المحدود.
وأكد بنرامل أن هذه الوضعية تهدد بشكل مباشر الأمن الغذائي الوطني، وتفرض على الجهات المسؤولة تعزيز إجراءات التكيف السريع مع التغيرات المناخية، سواء من خلال دعم البحث الزراعي أو تسريع الانتقال إلى تقنيات ري أكثر كفاءة.
واعتبر بنرامل أن الضربات المناخية المتتالية تفاقم هشاشة الفلاحين الصغار، خصوصا في المناطق الجبلية أو القروية التي تعتمد على زراعات موسمية ومعيشية مثل الزيتون والحبوب والقطاني.
وأبرز أن "هذه المناطق مهددة بانكماش فلاحي واجتماعي، ما يسرع وتيرة الهجرة القروية ويزيد من نسب الفقر والتصحر البشري"، وهو ما يطرح تحديات كبيرة على مستوى التنمية المجالية والتوازن السكاني داخل المغرب.