اقتصادكم
يعتبر قطاع السكن من أبرز الركائز الاستراتيجية لتطور المغرب، إذ تم ضخ استثمارات ضخمة في إطار العديد من البرامج، كان الهدف الأساسي منها زيادة العرض السكني من خلال توفير حلول تلبي احتياجات فئات متنوعة من السكان، مثل الإسكان الاجتماعي، أو الإسكان للطبقة المتوسطة، بالإضافة إلى مشاريع لإعادة إسكان المواطنين في المناطق المعرضة للانهيار.
وحسب تقرير جريدة "فينونس نيوز"، فإنه على الرغم من تلك الجهود التي ساهمت في زيادة العرض، إلا أن السوق لم ينجح في تحقيق التوازن المأمول ولا في الوصول إلى مستوى سكن أجود. ويعود ذلك جزئياً إلى الندرة المستمرة في الأراضي الحضرية، حيث يتم تنفيذ العديد من المشاريع العقارية الجديدة في المناطق الحضرية النائية، مما يضطر معظم السكان إلى التنقل لمسافات طويلة للوصول إلى أماكن عملهم أو دراستهم. كما ارتفعت تكاليف الإيجار في المدن الكبرى نتيجة لتزايد الأسعار. ومن المفارقات أن هناك أعداداً كبيرة من المساكن الشاغرة في الوقت الذي تشهد فيه المدن نقصاً في المعروض.
وبحسب المندوبية السامية للتخطيط، يُقدر عدد الوحدات السكنية الشاغرة بأكثر من 1.1 مليون وحدة، وهو ما يمثل حوالي 16% من إجمالي المساكن الوطنية، حيث تتركز 90% منها في المناطق الحضرية.
ولفت الخبير العقاري محمد العلوي، في تصريح لجريدة "فينونس نيوز" النظر إلى: "تعدد الأسباب التي أدت إلى هذه الظاهرة، بما في ذلك الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية. هذه الوحدات السكنية الشاغرة كان من الممكن أن تساهم في زيادة العرض السكني، مما يساعد على تخفيض الأسعار سواء في البيع أو الإيجار. لكنها أصبحت استثمارات غير منتجة لا تخلق فرص عمل ولا تضيف أي قيمة اقتصادية، وأحياناً يتم الاحتفاظ بها لأغراض المضاربة. إضافة إلى ذلك، يخشى أصحاب العقارات من الإجراءات القانونية المعقدة والبطء في حال عدم سداد الإيجار، مما يجعلهم يترددون في عرض عقاراتهم للإيجار"، مضيفا "إنهم يتخوفون من فرض ضريبة ثقيلة على البيع".
وتعتبر هذه الظاهرة مشكلة عالمية تؤثر على العديد من الدول، وخاصة تلك ذات الكثافة السكانية الحضرية العالية. في إطار مواجهتها، لجأت العديد من الحكومات إلى فرض ضرائب على المساكن الشاغرة وفق معايير محددة، حيث تتواجد هذه التجربة في العديد من المدن الأوروبية. وأضاف المتحدث ذاته أن "المغرب يمكنه الاستفادة من هذه التجارب العالمية لإعادة تنشيط القطاع العقاري، الذي لم يستعد بعد عافيته السابقة".
وفي هذا السياق، قامت فرنسا في عام 1998 بتقديم قانون خاص بمكافحة ظاهرة السكن الشاغر، والذي دخل حيز التنفيذ في عام 1999، والهدف معالجة الخلل بين العرض والطلب في القطاع السكني، وتحديداً للمساكن الشاغرة لأكثر من عامين في المناطق الحضرية التي يتجاوز عدد سكانها 200 ألف نسمة.
أوضح العلوي أن "المغرب يحتوي على حوالي عشر مدن يزيد عدد سكانها عن 200 ألف نسمة، والكثير منها يعاني من نقص في المساكن". لذا، فإن فرض ضرائب على المساكن الشاغرة قد يشجع على تحريك السوق العقاري ويوفر إيرادات إضافية للدولة. لكن هذا القرار يتطلب دراسة سياسية واقتصادية شاملة، بما في ذلك إجراء دراسات الجدوى.
وأكد الخبير :"من الضروري التفريق بين السكن الشاغر والسكن الثانوي، فالسكن الشاغر غالباً ما يكون خالياً من الأثاث، ويستهلك كميات ضئيلة من المياه والكهرباء، بينما السكن الثانوي قد يكون مفروشًا ويُستخدم على فترات متقطعة على مدار العام، ويملك عدد كبير من مغاربة العالم هذا النوع من السكن، ولذلك قد لا يكون من العدل فرض ضرائب عليهم".
إذن، هل حان الوقت لفرض ضرائب على المساكن الشاغرة في المغرب؟ هذا سؤال معقد يظل بحاجة إلى دراسة دقيقة تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمالية للمواطنين.