الشطر الحادي عشر من رواية " أراضي الله"

لايف ستايل - 25-02-2024

الشطر الحادي عشر من رواية " أراضي الله"

اقتصادكم

 

الحفرة المقصودة كانت ب13، بلوك6، ثم ب229، وفي وزمن قصير انتقلنا إلى119.هنا، يجب التوقف لحظة على هندسة هذه الفضاءات المخصصة لحياة سيئة الإقامة. لم نعرف أبدا لما كل هذه المنعطفات، وتغيير العناوين، لابد وأنه يخفي الكثير من الخدع. باختصار، الرقم المقصود كان ليكون ميمونا لو أننا راهنا عليه في اليانصيبᴉ كنت لأراهن بكل شيء لأجل تغيير العنوان، لكن من حقي أن أحلمᴉ تم رمي النرد وربحت جميع الرهانات مسبقا.

باختصار، 119 هي المكان الضيق حيث كان علينا الصمود نحن الخمسة: أمي وأخوي الاثنين وأختي وأنا، بالإضافة إلى قريب أو صديقة لأمي ليس لديها مكان للمبيت. هذا الفضاء الضيق وكذلك الزاوية الصغيرة تحت الدرج التي كانت هي عالمي. حيث تحممت للمرات الأولى عاريا تماما مع بنت الجيران، كانت تجذب قضيبي وهي تقول بأنه واعد مسبقا. أول جرو أسود العينين التقطته من الشارع مجروحا، والذي ظل تحت المائدة لمدة عشر أيام قبل أن ينضم إلى جماعته من الكلاب الجائعة. أول قط والذي عض ذيله هر الجيران الكبير.

 أول شجار بين أمي والجارات. أول عادة سرية في الظلام مستحضرا النهد الكبير للفتاة بالجوار وخاصة أول امرأة عارية رأيتها، جارتنا مليكة والتي ظنا منها أنها وحدها بالعلية ، تخرج عارية مثل حورية من الدش المفبرك، لأن الماكرة وجدت وسيلة لتعلق خرطوم سقي على مسمار كبير صدئ على الحائط. وهكذا يجري الماء كنافورة تتدفق على جسدها المصقول، المهدى للسماء، للهواء ولعيوني المحروقة.

جعلتني عانتها أشعر بالدوار وسببت لي أحد أول أجمل انتصاب حسبما أتذكر. بقية المشهد تتلخص في آه طويلةᴉ أنين سعادة يمكن أن تعيشها في العاشرة من العمر. بعد أن ابتلعت الشابة قضيبي الصغير في فمها وهي تدعوني لأن أتحرك قليلا، لأني تصلبت. نعم، تصلبت كصولجان ملك شرقي يهدهده الغناء والنبيذ والنساء الهائمات. مت في تلك الحياة بسبب ذلك اليوم الصيفي، لكني عشت في عالم سحري، حيث لم أكن بحاجة لطعام أو شراب ولا للنوم ولا للصراخ ولا للعب، مادامت مليكة تقدم لي مركزا فردوسيا من روح الحياة نفسها مستخرجا من خاصرة الإله نفسه. منذئذ، كلما رغبت في أن تراني أموت على نار هادئة، وأولد من رمق نظرتها، كان يكفيها أن تضرب لي موعدا في نفس المكان بعد الظهيرة، لكي أمنحها تخشبي وتمنحني هي دفئها المزغب.

هكذا اكتشفت كل الإمكانيات المتاحة لجسدي. كنت لا أزال لا أعرف ماذا بإمكان هذا أن يزودني به من أحاسيس، هذا الشكل المستقل تقريبا المسمى الجسد، لكني بسرعة فهمت الفرق بين متعة مختبئة خلف الأبواب أو في المراحيض، تلك اللذة الممزوجة بالخوف، وبين السعادة التي تستطيع تقديمها يد امرأة، فم امرأة، جسد امرأة. تقدم نفسك بكل براءة لمخلوقة أخرى، تدعها تعيد تشكيل جسدك كما يحلو لها، تملي عليك ما يجب فعله، كيف تقف، كيف تتحرك، كيف تغدو وتجيء، كيف تقتحم معبدا مفتوحا ورطبا لتكريم الحياة والجمال.

 كل هذا العالم الغير متوقع، الغامض والمحرم، اكتشفته بفضل مليكة التي تكبرني بعشر سنوات بسطح العلية، الجسد المتخشب، ينشف عاريا، بشمس اولمبية، وامرأة على الأرض،
مبتسمة، الساقين منفرجتين، مرفوعتين قليلا، يدها اليسرى ترشدني إلى المكان حيث أضع لساني. بقدر ما تعود بي ذاكرتي أتذكر رائحة هذه المرأة التي صاحبتني دائما.

رائحة معبد برهبانه وحفظته وابتهالاته وتراتيل الشكر والطعام والشراب المبارك من الآلهة 
ينزلق إلى حلقي مريئا بشكل لا يوصف. أكبر استباحة للأجساد عشتها بين خاصرتي مليكة، الشفاه مبلله بعصيرها، الرأس مغلف في متاهة من الانتعاش والحرارة والحب، من الرغبة والاشتهاء، من الخوف والحرية. فتحت لي مليكة أبواب الجنة وهي تترك شفتي ولساني ينزلق على أنوثتها الحساسة والمحنكة. لقد أهدتني الخلود في تلك الظهيرة الصيفية ومعه الأمل في أن تظل الحياة قوية ككل شيء جعلني حبها أستشفه.

 لم أعد أنا نفسي منذ ذلك اليوم. عندما أصبحت الحبيب الرسمي لمليكة، كنزها الجميل الصغير، كما كانت تقول، الحياة بالنسبة لي أخذت لونا ثابتا، خليطا بين الأحمر والأزرق ينتابني كلما تجدرت في الرغبة. لماذا أحمر وأزرق؟  لا أعلم شيئا. ولكن هذا ما رأيته.

وهي تهمس في أذني باني قريبا سأصبح رجلا وبأنها ستفتح لي أبواب الحياة السرية. تلك الأبواب المعروفة التي، إذا فتحت لك، يتسرب خيط فضي يخترقك مثل مشرط ليضع فيك شظية من النور ملتهبة إلى الأبد. شيئا فشيئا أغدو رجلا، جسدي كان يكبر بسرعة لم يعتدها أقراني الذكور. كبرت في رمشه عين، سقيما وجائعا. لكن عجوزا أكثر صلابة وحكمة، أكثر ذكاء وسرعة أيضا لفهم جمال الحياة، باغتنام كل لحظة سعادة تقدمها الأيام، مليكة كانت تهز رأسها بعد كل عناق وتقول لي بأني قريبا سأصبح رجلها.

رجل. يا لها من كلمة سحريةᴉ ولكن ما الذي يمكن أن تعنيه بالنسبة لطفل؟ هل معناها أن يكبر، أن يصبح لديه شارب ولحية وشعر كثيف بكل أنحاء جسده؟ هل هو أن يحقق أحلامه ورغباته؟ أن يعيش لأجل حياة أفضل له وللآخرين؟ أن يدافع عن مبادئه، حتى لو كان ذلك يعني الموت؟ رجل، هذا يعني أن تنمو جذورك في طمي الحياة إلى أقصى مدى وتتبرعم وتشع في الأرجاء؟ أو بكل بساطة جعل النساء مجنونات بأجسادهن؟ كان يلزمني بعض الوقت لأفهم أن رجلا هو كل هاته الأشياء مجتمعة، أن أتجاوز خطأ تلو آخر، أن أنسى، أن أسامح، أن أتقبل نفسي لأتحمل حياتي كرجل. أن أموت لمرات عديدة، لكي أولد من جديد بكل الأشكال الممكنة التي لن تجعل مني نسخة عن كل أولئك الذين يملئون الطرقات بالقرب من بيتنا، أولئك الذين سكن الموت تجاويف عيونهم. 

 

يتبع..

عنوان الرواية : أراضي الله
المؤلف: عبد الحق نجيب