اقتصادكم
لطالما كانت الروائح والألوان محفزا قويا للذاكرة، تلك المنظومة العصبية المعقدة، التي تتحكم في سلوك المرء، فلبرهة من الزمن، تنقله ذكرى جميلة من حالة حزن إلى فرح، بشكل يثير الدهشة. للعلامات التجارية أيضا ذلك التأثير، إذ يكفي مطالعة إحداها، حتى تتهاوى أدراج العمر ويعود شريط الحياة بتفاصيله الحلوة والمرة إلى الوراء.
علامات مثل "جرما" و"لاسيكون" و"أولماس" و"ستيام"، طبعت حياة المغاربة، ورافقتهم خلال محطات حياتهم المختلفة، وشكلت موضوع كتاب جامع حول قيمة العلامة وتأثيرها في المجتمع، حمل اسم "براند يور موروكو"، ضمن سلسلة لغات الجنوب، إذ يستعرض جون نويل كابفيفير، الخبير الفرنسي في العلامات التجارية، أبعادا جدية للعلامات، لا تقف عند حدودها التجارية المعروفة، بل تتعداها إلى ما هو أبعد من ذلك، باعتبارها صورة للدعاية والانفتاح الثقافيين على الخارج.
لا يدرك الكثيرون أن حافلات "ستيام"، التي تجوب ربوع المملكة، تعود إلى ناقل يعتبر الأقدم في مجال تخصصه، إذ تأسست "شركة النقل بالمغرب" في 1919، وأصبحت جزءا من المعيش اليومي للمغاربة، حين تقطع الحافلات ملايين الكيلومترات، لتأمين تنقلاتهم الشخصية والمهنية، وربط الجهات والمدن والقرى ببعضها البعض.
قرر السلطات خلال تلك الحقبة، إخراج المدن من عزلتها وتأمين الربط، فأطلقت "ستيام" أزيد من 200 خط بين حضري، انطلاقا من البيضاء ومراكش وفاس، وكذا آسفي والجديدة والصويرة، إلى جانب أكادير وتارودانت وتيزنيت، إضافة إلى ورزازات والعيون والداخلة بالنسبة إلى الجنوب، وكذا طنجة وتطوان ووجدة، ناهيك عن آزرو والقنيطرة وميدلت ووزان بالنسبة إلى الشمال.
بعد خوصصة "ستيام" في 1993 وإدراجها في بورصة البيضاء، بدأت تتلمس طريقها على المستوى الدولي، وتجاوز أسطولها الحدود إلى أوربا، وذلك في إطار شراكة مع مجموعة "أورو لاينز" موقعة في 2003، ما أتاح للشركة تأمين النقل صوب أزيد من 80 وجهة في فرنسا وإسبانيا. لكن الرائد المغربي في مجال النقل، لم يقف طموحه عند هذا الحد، وتوجه نحو القارة الإفريقية، تحديدا إلى موريتانيا والسنغال، لإطلاق خطوط نقل خلال السنة الماضية.
وفي 2000، تنوعت مجالات نشاط "ستيام"، فانطلقت في الاستثمار بالإرساليات عبر "ستيام ميساجري"، والسياحة من خلال "ستيام توريزم"، اللذان يعرضان نقلا للمسافرين في شكل خدمة سياحية، وخدمات إرساليات لفائدة المقاولات، قبل أن تتوج هذه الاستثمارات في 2014، بإطلاق خدمة "ستيام بروميوم"، التي كلفت استثمارا بقيمة 30 مليون درهم، وهي عرض للنقل عبر المدن بواسطة حافلات راقية.
ويتوفر الناقل التاريخي بالمغرب على أزيد من 200 حافلة، وتشير عداداتها إلى قطع أزيد من 42 مليون كيلومترا سنويا.