مهدي حبشي
منذ قررت الجامعة المغربية لكرة القدم تسريع تحوّل الأندية من جمعيات لشركات، تناسلت تكهنات تفيد سعي ثلة من رجال الأعمال المغاربة للاستثمار في تلك الأندية.
بل تفاءل متتبعو الشأن الرياضي بانفتاح كرة القدم المغربية على الاستثمارات الأجنبية، على غرار تلك التي رفعت بعض الأندية الإنجليزية والفرنسية المغمورة إلى مقام كبار المشهد العالمي في كرة القدم.
لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، فبعد أكثر من عامين على الشروع في التحول المذكور ما زال المستثمرون يحجمون عن ضخ رساميل في الأندية المغربية، حتى أصبح التحول شكلياً وعاجزاً عن إحداث أي فارق.
تحول مشوب بعيوب كثيرة
إذا كانت الأندية المنضوية تحت لواء العصبة الاحترافية قد استصدرت بالفعل سجلاتها التجارية من المحكمة، باعتبارها الخطوة الأخيرة للانتقال من النمط القديم إلى نمط حديث يزاوج بين شكل الجمعية؛ التي ستواصل تدبير الشأن الرياضي للأندية، بينما تعكف الشركة على حكامتها المالية، فإن التحول ما زال مشوباً بعيوب كثيرة لا تشجع رجال الأعمال على المجازفة والاستثمار فيها.
ذلك ما يراه نجيب الصنهاجي، الخبير في المالية الرياضية، الذي لاحظ وجود هوة شاسعة بين النص القانوني وتطبيقه على أرض الواقع؛ "تحول الأندية لشركات لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، بل يجب العمل قبل ذلك على تكوين المُسيرين والمدراء التقنيين ومدراء الملاعب والتسويق... وغيرها من المناصب التي يستلزمها تسيير ناد رياضي عبر شركة".
وتساءل الصنهاجي في تصريح لـاقتصادكم: "أي الأندية المغربية دخلت البورصة؟ أيها أعلن عن مجلس إدارته أو عين مديراً عاماً ومحاسباً ومجلس حسابات؟ لا يمكن الحديث عن شركة دون هذه المناصب".
وخلص الخبير إلى أن جذب الاستثمارات، بل حتى المستشهرين والرعاة، يمر عبر استثمار النادي في علامته التجارية. فكرة يشاطره إياها عبد الرحيم غريب، الباحث في الاقتصاد والحكامة الرياضيين، الذي استغرب متسائلاً: "كيف ننتظر من رجل أعمال، همه الأول هو تحقيق الربح، أن يستثمر في نادٍ لا يملك رأسمالا أثمن من علامته التجارية، إذا كانت تلك العلامة تتعرض للقرصنة والاستغلال دون حسيب أو رقيب؟".
صيغة "الشركات المساهمة" غير مناسبة
اختارت الأندية المغربية التحول إلى شركات مساهمة، ما سيضمن لها حكامة جيدة في تسيير الموارد، نظراً للمسؤولية الجنائية المترتبة عن تسيير هذا النوع من الشركات. فضلاً عما تفرضه من شفافية وإجبارية التأشير على الوثائق المحاسبية من طرف خبراء محاسبين. "إلا أنه نظام عاجز في صيغته الحالية عن إغراء المستثمرين" يؤكد الخبير عبد الرحيم غريب في اتصال مع اقتصادكم".
وينص القانون 30-09 المتعلق بالرياضة والتربية البدنية، على أن الأسهم تكون "أسهماً إسمية"، ما يتيح للنظام الأساسي تقييد تداولها. "يعني ذلك أن المستثمر سيحتاج ترخيصاً إذا أراد بيع أسهمه، وهذا المبدأ لا يُغري مستثمراً يبحث عن الربح أينما وجده، بحيث يُمكنه سحب سيولته من قطاع الرياضة والاستثمار في قطاع آخر متى أراد" يضيف الخبير.
كما نص القانون المذكور على تمتع الجمعيات الرياضية بما لا يقل عن ثلث الأسهم، ما يوازي ثلث الأصوات ضمن الجموع العامة التي تُتخذ خلالها أهم القرارات الاستراتيجية. "عِلماً أن أي قرار لا يمر إلا بثلثي الأصوات، فإن المستثمر قد يجد نفسه تحت رحمة الجمعية على مستوى القرارات، لاسيما إذا توفرت الأخيرة على أكثر من ثلث الأسهم، الأمر الذي لا يمنعه القانون".
وتطرح هذه الصيغة إشكالاً آخر في حال احتاج النادي إلى زيادة في رأس المال، يضيف غريب، ولم تكن الجمعية قادرة على توفير ثلث الزيادة المطلوبة؛ تناسباً مع حصتها في النادي؛ "هنا ستفشل عملية زيادة رأس المال التي قد تكون حيوية للنادي".
أندية فقيرة على مستوى "الأصول"
ولا يفوت المستثمرين أخذ فرضية الإفلاس وما يترتب عنها بعين الاعتبار. في هذه الحالة يكون مغرياً الاستثمار في نادٍ يتوفر على أصول مُهمة تمكنه من سداد ديونه في حال أفلس. من هذا المنطلق يعتبر غريب أنه: "لا يمكن استنساخ النموذج الأوروبي، لأن الأندية المغربية لا تملك أصولا مطمئنة، مثلاً؛ لا يوجد نادٍ مغربي يملك ملعباً يقوم ببيعه في حال الإفلاس، فكل الملاعب الوطنية ملك للمجالس المحلية أو للحكومة".
"بالنسبة لنادٍ لا يملك ملعباً، وعقود لاعبيه لا تتعدى مدتها خمس سنوات؛ يبقى الأصل الوحيد الذي في حوزته هو علامته التجارية التي كونها بتاريخه وإنجازاته وجماهيريته؛ بيد أن هذه العلامة تتعرض للقرصنة والاستغلال من قبل من هب ودب؛ فنجدها متاحة على مستوى المتاجر و'الفرّاشات...'، وتدر مداخيل مهمة على أشخاص لا علاقة لهم بالنادي، في وقت ليس القانون الذي يحمي تلك العلامة مُفعلاً".
ويضيف غريب: "بل إن بعض الأندية العربية، كالأهلي المصري مثلاً، تستفيد من مداخيل ضخمة جراء التعويضات القضائية التي تستخلصها من المُتاجرين في علامتها التجارية دون رخصة".
مداخيل النقل التلفزي غير مُكيفة والملاعب غير "محصنة".
يُعد البث التلفزي من أهم مصادر الدخل بالنسبة لأندية كرة القدم، وينص القانون 30-09 على أن "هذه المداخيل توزع بنسبة 50 في المئة على نحو تضامني"، أي إن كل الأندية تستفيد من مبالغ مُتساوية؛ بينما توزع الـ50 في المئة الأخرى بحسب الاستحقاق؛ بمعنى أن الأندية التي تحظى بمتابعة تلفزيونية أكبر تستفيد من حصص أكبر.
المشكلة وفقاً لغريب تكمن في تنصيص القانون على اضطلاع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بتحديد معايير الاستفادة حسب الاستحقاق، غير أن الجامعة لم تقم بذلك بعد. وهكذا لا تزال مداخيل البث توزع عملياً بنسبة 100 في المئة على نحو تضامني. "لن يقبل أي مستثمر بالاستثمار في نادٍ كبير يحقق ملايين المشاهدات، لكنه يستفيد من مداخيل متساوية مع أندية لا تتابعها سوى عشرات أو مئات الأشخاص". يشدد المتحدث.
ولا يفوت غريب الإشارة إلى أن الطرق الملتوية التي يلجأ لها بعض المشجعين لولوج الملاعب دون تأدية ثمن التذكرة، فضلاً عن ظاهرة الشغب التي تحد من إمكانية تسويق المنتج الرياضي، والتي لم تجد الدولة بعد حلولاً ناجعة لها؛ مشاكل أخرى تفاقم نفور المستثمرين من الكرة المغربية.