اقتصادكم
يشهد التوطيد المحاسباتي أو ما يصطلح عليه بالتوحيد المالي، ثورة حقيقية مع طرح مشروع قانون الحسابات المالية الموحدة للنقاش، والذي يهدف إلى تعميم هذه الممارسة بالمغرب.
وتهدف عملية التوحيد المحاسباتي إلى دمج البيانات المالية لعدة هيئات قانونية مستقلة (غالبًا شركات ضمن نفس المجموعة) في مجموعة واحدة من البيانات المالية الموطدة، وتُستخدم هذه الممارسة بشكل رئيسي من قبل الشركات التي تمتلك عدة فروع أو حصص في شركات أخرى، من أجل تقديم صورة شاملة للوضع المالي للمجموعة ككل، بدلاً من الاقتصار على تحليل نتائج وأوضاع كل هيئة بشكل منفصل.
واعتبر أنس راضي نائب رئيس الجمعية المغربية للموطدين الماليين "Association Marocaine des Consolideurs Financiers"، أنه إذا تم التصويت على مشروع قانون دمج البيانات المالية فإن ذلك سيشكل خطوة كبيرة نحو تقدم التشريع الوطني في مجال المعلومات المالية.
وأضاف الخبير المحاسباتي، في حوار مع "Finances News Hebdo"، أن المغرب يحاول اللحاق بالركب بعد تأخير طويل، مشيرا إلى أن أول محاولة لتنظيم إلزامية التوطيد المالي في المغرب كانت في عام 1998، أي منذ أكثر من 25 عامًا. ومنذ ذلك الحين، كانت هناك عدة محاولات لإحياء هذا المشروع، ولكن دون نجاح، قبل أن يتم استئناف هذا المشروع بشكل جاد مع نشر مشروع القانون 17-24 المتعلق بالحسابات المالية الموطدة، وقد تم طرح هذا المشروع للتعليقات العامة على الموقع الرسمي للأمانة العامة للحكومة.
وعن أهمية هذا القانون، قال المتحدث ذاته إن بعض المستثمرين أو المؤسسات المالية بحاجة إلى معلومات موثوقة، فعندما تسعى شركة تضم عدة فروع للحصول على تمويل، من الضروري أن يتم تقييم الوضع المالي بشكل موحد للمجموعة ككل، مضيفا :" هذا يسمح للممولين باتخاذ قرارات واضحة بناءً على وضع مالي موثوق وشامل، ويهدف هذا المشروع القانوني إلى تلبية هذه الاحتياجات، سواء كانت من صناديق استثمار أو بنوك أو مستثمرين آخرين".
وينسجم هذا المشروع، حسب الخبير، مع طموحات المغرب في مضاعفة حصة الاستثمار الخاص بحلول عام 2030. ولتحقيق ذلك، بجانب الحوافز الضريبية والبنية التحتية، من الضروري تقديم معلومات مالية شفافة وموثوقة ومتوافقة مع المعايير الدولية، من قبيل التوحيد واعتماد معايير الـ "IFRS"، لجذب رؤوس الأموال وتعزيز النمو الاقتصادي.
وأوضح أنس راضي أنه في الوقت الحالي لا يوجد نص قانوني واحد يعالج مسألة التوحيد المالي بشكل محدد في المغرب، فإلزامية إعداد الحسابات الموحدة موجودة في عدة قوانين متفرقة تتعلق بشركات معينة، مشيرا إلى أنه هناك ثلاث فئات من الشركات ملزمة بإعداد حسابات موحدة: الشركات المساهمة العامة، والمؤسسات المالية، والمجموعات العامة. ولكل فئة من هذه الفئات التزامات مختلفة، خاصة من حيث المعايير المحاسبية. على سبيل المثال، يتعين على المؤسسات المالية إعداد حسابات موحدة وفقًا للمعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS)، وهذه هي الالتزام الوحيد بمعايير الـ "IFRS" في المغرب حاليًا. يهدف هذا المشروع القانوني الجديد إلى توسيع هذا الإطار ليشمل فئات أخرى من الشركات ويوحد قواعد التوحيد. ومن الآن فصاعدًا، ستشمل الفئات الملزمة بإعداد حسابات موحدة خمس فئات، بما في ذلك مجموعات التأمين والشركات التي تتجاوز بعض المعايير المالية وتوسيع نطاق تطبيق معايير الـ "IFRS".
ومن الناحية التنظيمية، يؤكد الخبير الاقتصادي، سيتعين على الشركات المعنية اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت ستدير وظيفة التوحيد داخليًا أم ستستعين بمصادر خارجية. بعد ذلك، سيكون هناك تأثيرات على مستوى نظم المعلومات، فعندما نتحدث عن التوحيد ومعايير الـ "IFRS"، فإننا نتحدث أيضًا عن الرقمنة، وهذا يمثل فرصة لتحسين جودة المعلومات المالية.
ويرى المتحدث ذاته أن الهدف من قرار الدولة المغربية إعادة تعريف طريقة إدارة المؤسسات العامة، ويشمل ذلك توحيد مشاركاتها في هذه الهيئات، هو إعداد حسابات مالية موحدة تعكس الكيان التجاري العام، مع ميزانية ونتائج موحدة، مضيفا أن هذا المشروع طموح للغاية حيث يشمل أكثر من 320 هيئة، تغطي مجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية، وعند اكتماله، سيمكن الدولة من الحصول على رؤية شاملة لمشاركاتها، ومتابعة الأداء.