المقاولات الصغرى: تفاصيل خارطة طريق جديدة لإنعاش ركيزة النسيج الاقتصادي

ملفات خاصة - 11-04-2025

المقاولات الصغرى: تفاصيل خارطة طريق جديدة لإنعاش ركيزة النسيج الاقتصادي

اقتصادكم

 

صادق مجلس الحكومة، الخميس، على مشروع المرسوم رقم 2.25.342 يتعلق بتفعيل نظام الدعم الخاص الموجه إلى المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، أخذا بعين الاعتبار الملاحظات المثارة بخصوصه قدمه الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية كريم زيدان. ويوجه الدعم إلى المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة للمشاريع التي لا تفوق قيمتها الاستثمارية 50 مليون درهم.

وتشكل المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة العمود الفقري للاقتصاد المغربي، حيث تمثل أكثر من 90% من النسيج المقاولاتي الوطني وتساهم بشكل كبير في خلق مناصب الشغل ودفع التنمية الاقتصادية.

وفي ورقة أعدها الخبير الاقتصادي علي الغنبوري، وتقاسمها مع موقع "اقتصادكم"، استعرض أهمية هذه المقاولات في الاقتصاد المغربي، وسلط الضوء على مضامين المرسوم وآليات الدعم المقدمة، وتحليل التحديات والآفاق التي قد تنجم عن هذا القرار، مع تقديم رؤية شاملة حول تأثيره المحتمل على دينامية الاستثمار وريادة الأعمال في المغرب وانعكاساته على سوق الشغل.

 

  1. أهمية المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد المغربي

تعد المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة ركيزة أساسية في النسيج الاقتصادي المغربي، حيث تساهم بحوالي 75% من مناصب الشغل القارة المسجلة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و تكون هذه المقاولات غالبا عائلية أو ناشئة،  حيث تلعب دورا حيويا في تعزيز الابتكار، توفير فرص العمل، والحد من البطالة، خاصة في صفوف الشباب والفئات الهشة، كما أنها تساهم في تقليص الفوارق المجالية من خلال تواجدها في المناطق القروية والأقل تنمية، مما يجعلها أداة فعالة لتحقيق العدالة الاجتماعية والترابية، ومع ذلك، تواجه هذه المقاولات تحديات كبيرة، أبرزها صعوبة الولوج إلى التمويل، تعقيد الإجراءات الإدارية، وضعف البنية التحتية في بعض المناطق، مما جعل دعمها أولوية وطنية ضمن رؤية ميثاق الاستثمار الجديد الذي يطمح إلى رفع حصة الاستثمار الخاص إلى ثلثي الاستثمار الإجمالي بحلول 2035.

 

  1. مضامين المرسوم وآليات الدعم المقترحة

يندرج المرسوم رقم 2.25.342 ضمن الجهود  الرامية إلى تفعيل ميثاق الاستثمار الجديد، حيث يشكل خطوة جوهرية لدعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم ثلاث منح رئيسية تهدف إلى تحفيز الاستثمار وإرساء دينامية اقتصادية مستدامة خاصة ان الحكومة قد أعلنت في وقت سابق تخصص 12 مليار درهم بشكل سنوي كغلاف مالي خاص بهذا الدعم ، ويسعى هذا المرسوم إلى تعزيز دور هذه المقاولات كمحرك أساسي للتنمية، مع التركيز على تحسين مناخ الأعمال وتسهيل الفعل المقاولاتي عبر إطار تنظيمي فعال يضمن وصول الدعم إلى مستحقيه، كما يعكس التزام الحكومة بتعزيز الحكامة الجهوية لمنظومة الاستثمار، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المتوازنة ورفع القدرة التنافسية للاقتصاد المغربي على المستويين المحلي والدولي، وفي هذا السياق، يمكن تفصيل المنح الثلاث المقدمة على النحو التالي:

  • منحة خلق مناصب الشغل: تستهدف هذه المنحة تشجيع المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة على توسيع قاعدة التوظيف لديها من خلال توفير دعم مالي لخلق فرص عمل قارة، تهدف هذه المبادرة إلى مكافحة البطالة، خاصة بين الشباب والفئات الهشة، من خلال تحفيز المقاولات على استقطاب المزيد من العاملين، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي ويرفع مستوى المعيشة في المجتمعات المحلية. كما تساهم هذه المنحة في تعزيز الثقة بين أصحاب المقاولات والدولة، حيث توفر حافزًا ملموسًا للاستثمار في رأس المال البشري كجزء من استراتيجية النمو.
  • المنحة الترابية: تركز هذه المنحة على دعم المقاولات النشطة في الأقاليم والمناطق الأقل حظوة اقتصاديا، بهدف تقليص الفوارق المجالية بين الجهات وتحقيق تنمية ترابية متوازنة، ومن خلال توجيه الدعم إلى هذه المناطق، تسعى الحكومة إلى تمكين المقاولات المحلية من التغلب على تحديات نقص البنية التحتية أو ضعف الولوج إلى الأسواق، مما يساهم في تعزيز الاقتصادات الجهوية وتثبيت السكان في مناطقهم الأصلية.
  • منحة الأنشطة ذات الأولوية المرتبطة بالإقلاع الاقتصادي: تستهدف هذه المنحة القطاعات الواعدة التي تمتلك إمكانيات عالية لدفع عجلة النمو الاقتصادي، مثل الصناعة، التكنولوجيا الرقمية، والطاقات المتجددة، حيث تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المغربي من خلال دعم المقاولات التي تعمل في مجالات ذات قيمة مضافة مرتفعة، مما يساهم في مواكبة التحولات العالمية وجذب الاستثمارات الأجنبية، كما تسعى هذه المنحة إلى تمكين المقاولات من الابتكار والتكيف مع متطلبات السوق، مما يجعلها رافعة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي المستدام الذي يطمح إليه الميثاق الجديد للاستثمار.

وبهذا الشكل، يمثل المرسوم إطارا متكاملا يجمع بين تحفيز التشغيل، تعزيز العدالة الترابية، ودعم القطاعات الاستراتيجية، مما يعكس رؤية واضحة في جعل المقاولات الصغيرة والمتوسطة محركا أساسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب.

  1. التحديات والآفاق المستقبلية

يعد المرسوم رقم 2.25.342 خطوة محورية في مسار دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، إلا أن نجاحه في تحقيق أهدافه الطموحة يواجه مجموعة من التحديات والإشكاليات التي قد تعيق تطبيقه بفعالية، فالعوائق التنظيمية، المالية، واللوجستية قد تؤثر على قدرته على تلبية تطلعات المقاولين، خاصة الشباب منهم، الذين يرون فيه أملا لإطلاق مشاريعهم أو تطويرها:

  • خطر استحواذ المقاولات المتوسطة على الغلاف المالي: يشكل تخصيص غلاف مالي بقيمة 12 مليار درهم دعما ماليا كبيرا، لكنه يحمل في طياته مخاطر تتعلق بتوزيع هذه الموارد، هناك مخاوف مشروعة من أن تستحوذ المقاولات المتوسطة أو الكبرى نسبيا (الشركات التي تتراوح أرباحها بين 300,001 و1,000,000 درهم سنويا)، والتي تمتلك قدرات تنظيمية وإدارية أكبر، على حصة الأسد من هذا الغلاف، تاركة المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة، وهي الفئة الأكثر احتياجا دون الدعم الكافي، وقد يتفاقم هذا الخطر في ظل غياب آليات واضحة ودقيقة لضمان توزيع عادل للموارد، مما قد يؤدي إلى تعميق الفجوة بين الفئات المقاولاتية بدلا من تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية التي يسعى المرسوم إلى تعزيزها.
  • ضعف البنية التحتية الإدارية واللوجستية: يعتمد نجاح المرسوم على قدرة الإدارات العمومية على معالجة الطلبات وتتبع المشاريع بسرعة وشفافية، لكن واقع الحال يشير إلى ضعف في البنية التحتية الإدارية في العديد من الجهات، فالبيروقراطية المفرطة، بطء الإجراءات، ونقص الكفاءات في بعض المصالح قد يعيقان وصول الدعم إلى مستحقيه في الوقت المناسب، على سبيل المثال، قد يواجه المقاولون في المناطق النائية صعوبات إضافية في التقديم للحصول على الدعم بسبب قلة المراكز الإدارية أو ضعف الخدمات الرقمية، مما يضعف مبدأ العدالة الترابية الذي يفترض أن يدعمه المرسوم.
  • غياب برامج تكوين ومواكبة فعالة: بينما يركز المرسوم على الدعم المالي، فإن نجاح المقاولات الصغيرة لا يعتمد فقط على التمويل، بل أيضا على قدرة أصحابها على إدارة مشاريعهم بكفاءة، فغياب برامج تكوين ومواكبة موازية للمرسوم قد يؤدي إلى فشل العديد من المشاريع المدعومة بسبب نقص الخبرة أو سوء التسيير، فالشباب المقاولون، على وجه الخصوص، قد يفتقرون إلى المهارات اللازمة في مجالات مثل التخطيط المالي، التسويق، أو التعامل مع التحديات القانونية، مما يجعل الدعم المالي غير كاف لضمان استدامة مشاريعهم على المدى الطويل، و خلق مناصب قارة للتشغيل.
  • ضعف الشفافية: من الإشكاليات البارزة التي قد تواجه تطبيق المرسوم، ضعف الشفافية في عملية اختيار المستفيدين، وهو ما قد يفتح الباب أمام المحسوبية أو الفساد الإداري، مما يفقد المبادرة مصداقيتها ويحبط آمال المقاولين الذين يسعون للاستفادة منها بشكل عادل.

تظهر هذه التحديات والإشكاليات أن نجاح المرسوم لا يعتمد فقط على توفير الدعم المالي، بل يتطلب رؤية شاملة تتضمن تحسين الإطار التنظيمي، تعزيز الشفافية، وتوفير البنية التحتية والمواكبة اللازمة، فدون معالجة هذه العوائق، قد يظل التطبيق السليم للمرسوم بعيد المنال، مما يضعف قدرته على تحقيق التحول المقاولاتي المنشود ودعم جيل جديد من رواد الأعمال في المغرب والمساهمة في تكثيف عملية التشغيل.

وتمثل مصادقة الحكومة على مرسوم تفعيل نظام الدعم للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة خطوة هامة نحو تحقيق رؤية ميثاق الاستثمار الجديد، الذي يسعى إلى تعزيز الاستثمار الخاص ودعم التنمية المستدامة في المغرب، ورغم التحديات المرتبطة بالتنفيذ، فإن هذا القرار يحمل في طياته إمكانيات كبيرة لتحفيز النسيج المقاولاتي، خلق فرص الشغل، وتقليص الفوارق المجالية، شريطة أن يتم تطبيقه بشفافية وفعالية، حيث يبقى نجاح هذه المبادرة مرهونا بقدرة الحكومة على ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، تعزيز الحكامة الجهوية، ومواكبة المقاولين الشباب في مسارهم الريادي، ليكون هذا المرسوم جسرا حقيقيا نحو اقتصاد أكثر عدالة وتنافسية.