اقتصادكم - سعد مفكير
أثار انخفاض معدل الخصوبة الكلي إلى 1.97 طفل لكل امرأة، الذي كشفه الإحصاء الأخير للسكان والسكنى لسنة 2024، جدلا واسعا في المغرب، خاصة أن هذا المعدل يُعتبر ما دون عتبة تعويض الأجيال المقدرة بـ2.1 طفل لكل امرأة، كما عرف الهرم السكاني تغيرا بسبب انخفاض نسبة الأطفال دون 15 سنة وتسارع معدل شيخوخة السكان.
وحسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024، التي كشف عنها المندوب السامي للتخطيط شكيب بنموسى، الأسبوع الماضي، فقد سجل معدل الخصوبة الكلي انخفاضا من 2.2 طفل لكل امرأة حسب إحصاء سنة 2014 إلى 1.97 طفل في هذه السنة.
وحسب التوزيع، فقد سجلت أعلى نسب الخصوبة في جهة درعة – تافيلالت بـ2.3 طفل لكل امرأة، تليها جهة الداخلة – وادي الذهب بـ2.2 طفل لكل امرأة، ثم جهة العيون – الساقية الحمراء بـ2.1 طفل لكل امرأة.في المقابل، سجلت أدنى نسب الخصوبة في جهة الشرق بـ1.7 طفل لكل امرأة، تليها جهة سوس – ماسة بـ1.8 طفل لكل امرأة.
معدلات الخصوبة في المغرب: تباين بين الجهات وتراجع عام
واعتبر أمين سامي، المحلل الاقتصادي والخبير في التخطيط الاستراتيجي، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن ارتفاع عدد السكان من 26,074 مليون في 1994 إلى 36,828 مليون في 2024 يُظهر نمواً سكانياً متواضعا على مدار العقود الثلاثة ويعكس توجه المغرب نحو انخفاض النمو الديموغرافي، نتيجة لعوامل متعددة منها على سبيل المثال انخفاض الخصوبة وزيادة التحضر.
وأضاف الخبير أن هذا التباطؤ في النمو السكاني يُعزى إلى زيادة الوعي بالتخطيط الأسري، تحسن التعليم، وتمكين المرأة، وبالتالي، يوضح في تصريح لموقع "اقتصادكم"، يُعد انخفاض النمو السكاني إيجابياً من حيث تخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، لكنه في نفس الوقت يعتبر مؤشر منبه، يجب الانتباه إليه من الآن لانه قد يشكل تحدياً على المدى الطويل في شيخوخة السكان ونقص القوى العاملة.
يظهر من خلال الهيكل السكاني لعام 2024 انكماش قاعدة الهرم، مما يعكس انخفاض نسبة الأطفال. وبالتالي هناك اتساع في الفئات العمرية الأكبر، ما يشير إلى ارتفاع متوسط العمر المتوقع. فنسبة السكان دون 15 سنة انخفضت من 31% في 2004 إلى 26.5% في 2024. بالمقابل ارتفعت نسبة السكان فوق 60 سنة من 8% في 2004 إلى 13.8% في 2024.
كما يعكس انخفاض نسبة الأطفال، حسب أمين سامي، تراجع معدلات الخصوبة، مما قد يؤدي إلى تزايد الشيخوخة السكانية، حيث يتطلب هذا التغير الديموغرافي سياسات اجتماعية واقتصادية تركز على التقاعد والرعاية الصحية وتحفيز المشاركة الاقتصادية للفئات الأكبر عمراً.
وتتباين جهات المملكة بشكل واضح في معدلات الخصوبة، حيث تتصدر جهات مثل درعة-تافيلالت 2.35 طفل لكل امرأة والداخلة-وادي الذهب 2.25 طفل لكل امرأة بمعدلات أعلى نسبيًا. أما جهات سوس ماسة فقد سجلت 1.86 طفل لكل إمرأة والشرق 1.73 طفل لكل امرأة فهي أدنى معدل على المستوى الوطني.
أسباب تراجع الخصوبة في المغرب
ويرى أمين سامي، المحلل الاقتصادي والخبير في التخطيط الاستراتيجي، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن التحضر والتغيرات الاجتماعية، وانتشار نمط الحياة الحضرية في المغرب أثر بشكل كبير على قرارات الإنجاب، كما أن المرأة العاملة في المدن الكبرى تؤجل الإنجاب أو تكتفي بعدد أطفال أقل، موضحا أن التعليم وتمكين المرأة، فارتفاع مستويات التعليم، خصوصًا بين النساء، يرتبط بشكل مباشر بانخفاض معدلات الخصوبة، وبالتالي فالنساء المتعلمات غالبًا ما يملن إلى بناء أسر صغيرة، مع تأخير سن الزواج.
على مستوى التكلفة الاقتصادية، أكد الخبير أن زيادة تكاليف تربية الأطفال في المدن الكبرى، خصوصًا يُعد دافعًا رئيسيًا لتقليل عدد الأطفال.
إستراتيجيات لمواجهة تحديات انخفاض الخصوبة
ومن أجل مواجهة هذه الظاهرة، اقترح الخبير في التخطيط الاستراتيجي العمل على تحقيق التوازن الجهوي، من خلال وضع سياسات دعم للأسر، في المدن الكبرى لتشجيع الإنجاب، مثل منح امتيازات مالية أوخدمات رعاية أطفال محسنة، واستهداف المناطق الريفية بمبادرات لتحسين التعليم وتمكين المرأة لخفض الخصوبة تدريجيًا، والتحضير لشيخوخة السكان، عبر تعزيز أنظمة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية لمواجهة تحديات الشيخوخة في الجهات ذات الخصوبة المنخفضة، والتنمية الاقتصادية المتوازنة، بتوزيع الاستثمارات التنموية بشكل متوازن بين الجهات لتخفيف الضغط على المدن الكبرى وتشجيع الاستقرار في المناطق ذات الخصوبة العالية.