"رُبّ ضارّة نافعة".. معالم تحول المغرب إلى ورشة العمل الصناعية الجديدة

ملفات خاصة - 09-04-2025

"رُبّ ضارّة نافعة".. معالم تحول المغرب إلى ورشة العمل الصناعية الجديدة

اقتصادكم - سعد مفكير

 

يقول المثل العربي: «رُبّ ضارّة نافعة»، كما يقول الشاعر الحكيم أبو الطيب المتنبي: «مصائب قوم عند قوم فوائد».. قد تنطبق هذه المقولات على المغرب في عالم يتسم بالتغيرات الاقتصادية السريعة والتطورات المتلاحقة جراء قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المتعلقة بالرسوم الجمركية والسياسات الحمائية.

قد يشهد المغرب تحولًا نحو أن يصبح منصة صناعية مستقبلية متميزة للعديد من الدول التي تطمح للاستفادة من الرسوم الجمركية المنخفضة التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على المنتجات المغربية. هذا التحول لا يعد مجرد انعكاس لتوجهات تجارية فحسب، بل هو تعبير عن رؤية استراتيجية عميقة تدفعها مجموعة من العوامل الاقتصادية والجغرافية والسياسية التي تميز المملكة عن باقي الدول.

واتفق الخبير الاقتصادي محمد جدري، والباحث في قانون الأعمال والاقتصاد في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء بدر الأزرق الزاهر، في تصريحات متفرقة لموقع "اقتصادكم" على أن الرسوم الجمركية الأمريكية هي فرصة حقيقة للاقلاع ما إذا تم استغلالها بالطريقة اللازمة، في حين ترى إسبانيا أن المغرب يبرز كواحد من الدول الأكثر استفادة من هذا القرار.  

 جسر حيوي وتنافسية جذابة


المغرب، الذي يعد جسرًا حيويًا يربط بين القارتين الإفريقية والأوروبية، يمتلك مزايا تنافسية غير قابلة للإنكار، تشمل استقراره السياسي، بنيته التحتية المتطورة، والاتفاقيات التجارية الهامة التي وقعها مع العديد من الدول. وفي هذا السياق، يُعتبر المغرب أيضا اليوم واحدًا من أكثر الوجهات المفضلة للاستثمار الصناعي في المنطقة، ليس فقط لموقعه الجغرافي المميز، بل أيضًا بسبب الانفتاح الاقتصادي الذي يسعى لتحقيقه بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث.

من خلال هذا التحول، يفتح المغرب أبوابًا جديدة أمام الدول الراغبة في تسخير الامتيازات الجمركية الأمريكية، ويؤكد على دوره البارز كحلقة وصل استراتيجية تجمع بين مختلف الأسواق الدولية. وبالتالي فإن لا يعتبر مجرد نقطة انطلاق للمستثمرين، بل مركزًا صناعيًا مزدهرًا يمتلك القدرة على تلبية احتياجات الأسواق العالمية بجودة وكفاءة عالية. 

تحوّل المغرب إلى منصة صناعية مرجعية ليس خيارًا عابرًا، إن ظلت التعريفات الجمركية قائمة مع مرور الوقت أو تغيرت، بل هو نتيجة لتخطيط استراتيجي طويل الأمد يستند إلى طموح المملكة في أن تكون نقطة التقاء رئيسية بين الشرق والغرب، ومركزًا محوريًا للصناعة والتجارة في المستقبل.

الرأس مال البشري

ولا يتعلق الأمر بالتعريفات الجمركية فقط، بل إن إحدى نقاط القوة التي يتمتع بها المغرب هي الرأس مال البشري. وتشير مؤسسة SGF Global إلى أن "المملكة تتمتع بقوة عاملة شابة ديناميكية ومتعلمة جيدًا مقارنة ببقية دول أفريقيا، خاصة في القطاعات الرئيسية مثل الاتصالات والبرمجيات والهندسة" بالإضافة إلى ذلك، فإن التعدد اللغوي يمثل ميزة استثنائية حيث تتعايش اللغات الفرنسية والعربية والإنجليزية والإسبانية في البيئات المهنية، مما يسمح للشركات بالعمل بسهولة من قاعدة واحدة.

ويلفت تقرير SGF Global، النظر أيضا إلى أن "المغرب نجح في ترسيخ مكانته كبلد جذاب في استقطاب الاستثمار الخارجي، وذلك بفضل مزيج فريد من المواهب والاستقرار السياسي والتكاليف التنافسية". ومن الواضح أن صعود عمليات nearshoring إلى بلدان قريبة من مراكز المستهلكين يلعب لصالح المملكة، حيث يقع المغرب على بعد ساعات طيران قليلة من العواصم الأوروبية الكبرى ويعمل في مناطق زمنية مماثلة، مما يسهل الخدمات اللوجستية والإشراف التشغيلي والتعاون في الوقت الفعلي. ويصبح هذا القرب أكثر منطقية الآن في ظل إعادة تشكيل التجارة العالمية بفعل القرارات السياسية والتوترات الجيوستراتيجية. والآن، مع الرسوم الجمركية التي تبلغ نصف تلك التي سيواجهها الاتحاد الأوروبي، فلن يكون من المستغرب أن تبدأ الشركات في دعوة المغرب بقوة للإنتاج هناك من أجل الوصول إلى السوق الأميركية بسهولة أكبر.

التكنولوجيا والتحول الرقمي 

توجه المملكة نحو التكنولوجيا والتحول الرقمي يجذب أيضًا الصناعات التي تحتاج إلى بيئات مبتكرة، حيث زاد المغرب من استثماراته في مراكز التكنولوجيا والخدمات الرقمية، ليصبح مركزًا ناشئًا للشركات التي تتطلب بيئات قابلة للتكيف بدرجة كبيرة مع التكنولوجيا. ويشير تقرير SGF Global إلى أن "تركيز الرباط على الابتكار أدى إلى خلق نظام بيئي مثالي للشركات التي تتطلع إلى الاستعانة بمصادر خارجية لتقديم خدمات متقدمة".

ولكن إلى جانب التكنولوجيا، يريد المغرب أيضًا أن يصبح قوة عظمى في إنتاج السلع المادية من خلال الجمع بين انخفاض تكاليف العمالة والحوافز الضريبية، والآن هذه الميزة الجمركية مقارنة بأوروبا وإفريقيا.

الاستثمارات الأجنبية والتكيف الثقافي

قبل فرض الرسوم الجمركية الأمريكية، كان المغرب ينمو بالفعل باعتباره اقتصادًا يعتمد على جذب الاستثمارات الأجنبية. وسلطت شركة SGF Global الضوء أيضًا على "القدرة الهائلة على التكيف الثقافي للمواهب المغربية"، وهو أمر ضروري للشركات العالمية التي تبحث عن فرق قادرة على فهم أنماط الإدارة المختلفة والاستجابة لها. إن هذه الميزة الثقافية، التي تشكلت عبر عقود من العلاقات التجارية مع أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، تسمح للمغرب بأن يصبح منصة اتصال بين القارات. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتسارع نمو المملكة إلى 3.9% هذا العام، بحسب تقرير صدر مؤخرا.

بيد أن هذه التحركات للشركات لن تتم بين عشية وضحاها، لأنها تتطلب استثمارات ضخمة وتولد صدامات معينة مع المجتمعات والمؤسسات في البلدان التي تغادرها، لكن إذا ظلت التعريفات الجمركية قائمة مع مرور الوقت، وهو ما يبدو مرجحا، فإن الضغوط لإيجاد بدائل قابلة للتطبيق للصين، أو جنوب شرق آسيا، أو حتى أوروبا سوف تنمو وسيكون المغرب، بفضل ما يتمتع به من مزايا لوجستية وبشرية ومالية، والآن جمركية ورشة العمل الصناعية الجديدة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.