منظومة مغلقة وبلا منافسة حقيقية.. كيف يمكن للمغرب تصحيح اختلالات سوق التأمين؟

ملفات خاصة - 22-04-2025

منظومة مغلقة وبلا منافسة حقيقية.. كيف يمكن للمغرب تصحيح اختلالات سوق التأمين؟

اقتصادكم

 

قدم مجلس المنافسة تشخيصًا معمقًا لسوق التأمين بالمغرب، مسلطًا الضوء على تحديات هيكلية تعيق تطوره، رغم أهميته الاستراتيجية في تمويل الاقتصاد الوطني، بفضل دوره المحوري في تعبئة الادخار الوطني.

ورغم الدينامية الإيجابية التي يعرفها القطاع على مستوى رقم المعاملات، والذي بلغ 57,5 مليار درهم سنة 2022، مسجلًا زيادة قدرها 9,7% مقارنة بسنة 2021، إلا أن هذا الأداء يخفي سوقًا مغلقا بشكل هيكلي. 

ففي نهاية 2022، كانت 26 شركة تأمين تنشط في السوق، من بينها 4 شركات تعاونية، غير أن ستة فاعلين فقط يهيمنون على 79% من إجمالي الأقساط المكتتبة، بينما تسيطر ثلاث شركات على 70% من سوق التأمين على الحياة، وخمس شركات على 75% من قطاع التأمينات غير الحياة، وعلى رأسها تأمين السيارات الذي يمثل بمفرده قرابة نصف أقساط هذا القطاع.

بناءً على هذا التشخيص، هيكل مجلس المنافسة تحليله حول أربع محاور رئيسية، كل منها مدعوم بتوصيات عملية تهدف إلى تصحيح الاختلالات الحالية وإطلاق دينامية تنافسية جديدة.

ولوج السوق: حواجز مغلقة

يشير المجلس إلى أن سوق التأمين ما يزال مغلقًا إلى حد كبير، سواء أمام شركات التأمين أو الوسطاء. وقد تم رصد مستويين من القيود: الأول يخص ولوج شركات التأمين، والثاني يخص الوسطاء من خلال اشتراط امتحانات مهنية دقيقة للحصول على الاعتماد كوكيل أو وسيط.

يوصي المجلس بضرورة تخفيف شروط الولوج، خصوصًا عبر مراجعة المتطلبات القانونية لشركات التأمين، وإزالة بعض العراقيل الإدارية التي تحد من دخول وسطاء جدد، بهدف تنويع الفاعلين وتعزيز التنافسية.

الخروج من السوق: دينامية محدودة بسبب الاندماجات

لاحظ المجلس أن دينامية الخروج من السوق تظل شبه غائبة، ما يعمّق تركيز السوق. واستقرار عدد الفاعلين يُفسّر غالبًا بعمليات اندماج وامتصاص بين الفاعلين الحاليين، وليس بدخول أو خروج حقيقي، حيث تُساهم هذه الوضعية في تعزيز هيمنة عدد محدود من الفاعلين، مما يُقيّد المنافسة ويحد من الابتكار.

العرض التأميني: غياب الابتكار وتشوهات تنافسية

يرى المجلس أن الإطار التنظيمي الحالي يمنح أفضلية هيكلية للشركات المختلطة (التي تمارس التأمين على الحياة وغير الحياة معًا)، وذلك بسبب نظام الترخيص المعتمد منذ سنة 2006، والذي فرض التخصص لكنه لم يُطبق بأثر رجعي، ما خلق عدم تكافؤ في الفرص بين الفاعلين.

ويعاني السوق أيضًا من فقر في الابتكار، إذ يظل العرض التأميني متمركزًا حول منتجات تقليدية، ولهذا، يدعو المجلس إلى تصحيح التفاوت التنظيمي بين الفاعلين المختلطين والمتخصصين؛ وتسريع رقمنة القطاع؛ وتبسيط إجراءات اعتماد المنتجات الجديدة من طرف هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (ACAPS).

كما اقترح المجلس فتح سوق التأمينات غير الحياة تدريجيًا أمام البنوك، على غرار ما هو معمول به في التأمين على الحياة، وذلك لتنشيط قنوات التوزيع، خصوصًا وأن التأمين البنكي يمثل حاليًا 30% من سوق التأمينات على الأشخاص.

تنظيم السوق وحماية المستهلك

أثار المجلس تساؤلات حول دور الجمعيات المهنية في اللجان الاستشارية التابعة لـ ACAPS، معتبرًا أن مشاركتها قد تفضي إلى تضارب في المصالح وتحد من استقلالية الهيئة التنظيمية.

كما كشف عن علاقة غير متوازنة بين شركات التأمين والمؤمّنين، حيث توصف العقود بأنها معقدة وغير واضحة، ما يضع المستهلك، حتى الملمّ، في وضعية ضعف أمام حقوقه الحقيقية وشروط الاستثناء.

ولهذا، يوصي المجلس بتعزيز شفافية العروض التأمينية؛ وتوفير معلومات واضحة وموحدة للمؤمّنين؛ وتقوية الحماية التعاقدية للمستهلك.

ومن خلال هذا الرأي التحليلي، يُقترح رسم خارطة طريق لإصلاح سوق التأمين في المغرب، لجعله أكثر انفتاحًا وشفافية وابتكارًا، مع الحرص على ضمان منافسة نزيهة، وتحقيق توازن أفضل بين مصالح شركات التأمين وحقوق المؤمنين.