حورية خير الله
تتيح مختلف القطاعات الإنتاجية التي تشكل الاقتصاد الأزرق فرص نمو وتنمية، ويراد بهذا الاقتصاد وفقا للمجلس الاقتصادي والبيئي التدبير المستدام للأنظمة الإيكولوجية البحرية والموارد المرتبطة بها.
ويبتغي الاقتصاد الأزرق تعزيز النمو الاقتصادي والاندماج الاجتماعي والحفاظ على سبل العيش أو تحسينها، مع ضمان استدامة بيئة البحار والمحيطات والمناطق الساحلية.
ويظهر التزام المغرب الثابت من أجل اقتصاد أزرق من خلال انخراطه في جدول أعمال الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة وجدول أعمال 2063 للاتحاد الافريقي، الذي يشكل هذا الاقتصاد ركيزة أساسية ضمنها.
خلق الثروة وفرص الشغل
يشمل الاقتصاد الأزرق أنشطة تجارية تتيح إمكانات هامة لخلق الثروة وإحداث فرص الشغل ومن جهة ثانية يشمل أنشطة غير تجارية ذات أهمية بالغة من أجل حماية الرأسمال البحري المغربي والمحافظة عليه وتدبيره وتنميته.
وفي هذا الصدد، تعدُّ أنشطة البحث والابتكار وجمع المعطيات ومعالجتها والتربية والتكوين ومجال السلامة دعامة للأنشطة التجارية، ولذلك، فإن تحقيق الاندماج بين الأنشطة التجارية وغير التجارية مهم للغاية، كما يعد التنسيق بين مختلف الفاعلين أمراً أساسياً.
توجيهات ملكية
أكد الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة والاربعين للمسيرة الخضراء على الاستمرار في دعم مسلسل تنمية الأقاليم الجنوبية خاصة بعد استكمال ترسيم مجاله البحري بتوافق مع الجار الاسباني.
حيث قدم الملك منظور استراتيجي جديد يروم جعل المنطقة قاطرة إقليمية للتنمية والتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي، والذي سيكون الاقتصاد الأزرق أحد رافعات هذه الاستراتيجية الأساسية من خلال الدور الذي سيقوم به ميناء الداخلة الأطلسي.
ومن خلال تطوير الموارد البحرية والبرية الغنية للمنطقة، ومن بين المشاريع المهيكلة المقترحة الاستثمار في تحلية مياه البحر والطاقات المتجددة والسياحة البحرية والداخلية.
إمكانات واعدة
على صعيد آخر، تحتل بعض الأنشطة كالصيد والسياحة والنقل بالعبارات والنقل البحري مكانة تاريخية بارزة في الاقتصاد المغربي، غير أن بعض الأنشطة مثل إنتاج الغاز والبترول في عرض البحر أو الرياضات المائية وأنشطة الترفيه البحري، غير متطورة بالقدر الكافي رغم أنها تتيح إمكانات واعدة وفقا ما أورده تقرير رقم 2018/38 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
علاوة على الأنشطة التقليدية المشار إليها، سلفا يمكن أن يتيح تطوير قطاعات جديدة في المغرب فرصا اقتصادية مهمة وأن يكون مصدرا لخلق القيمة الاقتصادية والارتقاء بالمهارات وإحداث فرص للشغل.
وتشمل هذه الأنشطة تربية الأحياء المائية والطاقات المتجددة والتكنولوجيا الحيوية وتحلية المياه، وتنقسم الأنشطة البحرية إلى الفئات الست التالية، قطاع الصيد، السياحة، الأنشطة المينائية، الطاقات، تحلية مياه البحر، والتكنولوجيات الحيوية البحرية.
700 ألف منصب شغل
يساهم قطاع الصيد البحري بالمغرب وفقا لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المعنون بـ"الاقتصاد الأزرق: ركيزة أساسية لبناء نموذج تنموي جديد للمغرب"، بما يقرب 2 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، ويوفر ما يقرب من 700 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر.
وتتشكل الثروات البحرية وفقا للمصدر ذاته من أكثر من 500 نوع، وهو ما يجعل المغرب يحتل المرتبة الأولى إفريقيا والثالثة عشر عالميا من حيث حجم إنتاج الأسماك.
وفي هذا الصدد، تعالج صناعة الصيد البحري حوالي 70 في المائة من إنتاج الصيد الساحلي وتصدر نحو 85 في المائة من إنتاجها إلى حوالي 100 دولة من القارات الخمس.
من جهة أخرى، وقعت المملكة العديد من الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقيات الصيد البحري الموقعة مع الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان، والتي يرخّص بموجبها بالصيد في المياه المغربية مقابل مساهمة مالية.
وعلى سبيل المثال، يسمح الاتفاق الجديد للصيد البحري الموقع بين المغرب والاتحاد الأوروبي بولوج 128 سفينة إلى المياه الإقليمية المغربية في المحيط الأطلسي مقابل مساهمة مالية قدرها52.1 مليون أورو سنوياً أي ما يزيد عن 54 مليار درهم سنويا.
400 ألف كلم من الأحواض الرسوبية
ومن بين الأنشطة الهامة التي من شأنها خلق الثروة كون المغرب يتوفر على خصائص جيولوجية واعدة، بمساحة إجمالية تبلغ 000 920 كيلومتر مربع من الأحواض البحرية والقارية.
ويزخر مجال استخراج النفط والغاز من البحر بإمكانات واعدة تتأكد بشكل تدريجي، سيما على الواجهة الأطلسية ويغطي نطاقه مساحة إجمالية تبلغ 400 ألف كيلومتر مربع، وفقا لتقرير المجلس عينه.
كما باشر المغرب منذ مدة عملية تمديد حدود جرفه القاري، الذي يقع بين 200 و350 ميلا بحرياً عن منطقته الاقتصادية الخالصة.
وتكتسي عملية التمديد هذه أهمية استراتيجية لكونها ستوسع نطاق ولاية الدولة مما يسمح لها بممارسة الحقوق السيادية الحصرية عليها قصد استكشاف الموارد واستغلالها.
وعلى الرغم من الإمكانات المهمة القائمة في مجال الهيدروكربورات، يرى مجلس الشامي أن أنشطة التنقيب في هذا المجال لا تزال ضعيفة، بالنظر إلى أن التنقيب عن النفط يبقى عملية طويلة الأمد وتتطلب رساميل ضخمة كما أنها محفوفة بالمخاطر.
41 بئرا فقط
ويشار هنا إلى أن المجال البحري المغربي غير مستغل بالقدر الكافي، حيث لم يتم حفر سوى 41 بئرا على مساحة تبلغ 000 400 كيلومتر مربع، وهو عدد قليل جداً مقارنة بآلاف الآبار الموجودة في مناطق الإنتاج الواقعة على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي.
ويعتبر المغرب في الواقع منطقة ذات مؤهلات غير مستكشفة بعد من قبل المستثمرين الأجانب، كما أن عمليات التنقيب لا تدخل ضمن أولوياتها، وقد تم اكتشاف بعض الكميات المتواضعة من الهيدروكربورات (الغاز بشكل رئيسي) على الساحل الأطلسي، حيث قام المغرب بحفر 11 بئراً بالمحيط الأطلسي 9 منها أظهرت مؤشرات عن وجود النفط أو الغاز أو النفط الثقيل.
إمكانات غير مستغلة
يرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن الشريط الساحلي للمغرب الممتد على مساحة 3500 كلم يمكن أن يوفر طاقة ريحية تزيد بعشرين ضعفاً عن حجم الطاقة الريحية القارية، أي 350 جيغاواط.
وعلى الرغم من أن الطاقة الريحية البحرية تشهد نمواً متسارعاً في السنوات الأخيرة، سيما في الدول المتقدمة، فإن تكلفة البنيات التحتية ذات الصلة بها تشكل عائقاً أمام النهوض بقطاع إنتاج الطاقة الريحية البحرية في المغرب.
وتعتبر المحطات البحرية لتحويل الطاقة عن طريق الضخ STEPبدائل مهمة لإنتاج وتخزين طاقة متجددة ذات مردودية، وتتيح هذه المحطات البحرية تخزين الطاقة الكهربائية المتأتية من مصادر الطاقة المتقطعة كالطاقة الريحية أو الشمسية.
وذلك من خلال الاستخدام غير المحدود لمياه البحر وقوتها الهيدروليكية، وتجري حاليا دراسات جدوى لتطوير هذه المحطات على جوانب البحر، ومن شأن الطاقة الكهرومائية، التي تُحَوِّل طاقة التيارات البحرية إلى كهرباء، أن تكون أيضاً مصدراً هاماً للطاقة.
سيما بفضل قوة المد والجزر في البحار الأطلسية الكبرى، إلا أن الإكراهات التقنية وتكاليف الاستغلال المرتفعة وفقا لتقرير مجلس الشامي تشكل أيضاً حاجزاً أمام تطور هذا النوع من المحطات.
95 % من المبادلات التجارية
يعد النقل البحري محركاً رئيسياً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمملكة، وذلك بفضل تأمينه لأزيد من95 في المائة من حجم المبادلات التجارية بين المغرب وباقي بلدان العالم، وفقا للمصدر السالف ذكره.
كما أن إرساء تنافسية لوجستية حقيقية في المغرب يمثل رهاناً كبيراً اعتباراً لتأثير القطاع على ترسيخ موقع بلادنا كقطب متميز، وسيكفل هذا التموقع للمملكة استقطاب الاستثمارات المحدثة لفرص الشغل والقيمة المضافة، فضلا عن تحسين تنافسيتها في مجال المبادلات التجارية.
أمن الحدود ومراقبتها
يشار في سياق ذي صلة، أن السلامة البحرية من الأهمية بمكان من أجل النهوض بالاقتصاد الأزرق، ومن هذا المنطلق، وضعت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار إطارا قانونيا لتنظيم وتدبير المجال البحري.
وبالإضافة إلى إقرار الحق السيادي لأغراض استغلال الموارد كالصيد البحري والنفط والغاز، تنظم هذه الاتفاقية أنشطة المالحة، والحماية البحرية، والبحث العلمي، واستكشاف الموارد النفطية والغازية.
وتنص الاتفاقية على التحكيم في النزاعات البحرية الدولية العمومية، حيث التزم المجتمع الدولي بالعمل على تسوية النزاعات البحرية، كما هو الحال في النزاعات الإقليمية لبحر الصين الجنوبي.