شعيب لفريخ
اكتشافات الغاز والبترول بالمغرب هي حقيقة ثابتة، وإن كان هناك صمت رسمي أو تعتيم حولها، فبعض التقارير الإعلامية الوطنية والأجنبية سبق أن تحدثت عن بعض المعطيات التفصيلية في الموضوع. ولا يعقل أن يتوفر المغرب على احتياطات مهمة من الغاز والبترول، ولا يجد ما يلبي به احتياجاته لتوليد الكهرباء، وباقي احتياجاته الصناعية، ويظل أسير استيراد حاجياته من الخارج علما أن المواد الطاقية تعرف زيادات مهولة بعد الحرب الأوكرانية، وستعرف زيادات بدون شك على المدى القريب والمتوسط.
وإذا كانت الاعتبارات الجيوسياسية، أو اعتبارات أخرى مبهمة يصعب الخوض فيها، قد حالت في السابق دون الشروع في استخراج الغاز الطبيعي والنفط، فإن معطيات الأزمة الطاقية الدولية القائمة تفرض على صناع القرار إعادة تقييم الأمر لمصلحة الاقتصاد الوطني أولا، لأن ارتفاع أثمنة الطاقة له كلفته ليس فقط على ميزانية الدولة، وزيادة الاقتراض الخارجي، وإنما تشمل الانعكاسات مختلف النسيج الإنتاجي الاقتصادي ـ الاجتماعي.
فاكتشافات الغاز والبترول بالمغرب هي حقيقية، ولمن أراد أن يزيل كل لبس أو تشكيك فليراجع تقرير "بانوراما مشروع تندرارا المغرب" المكون من 21 صفحة، والصادر سنة 2017، والذي سبق أن تحدثت عنه بعض الصحف المغربية في سنة 2018، فالتقرير يعتبر أن اكتشاف الغاز والبترول يشكل "طفرة اقتصادية شاملة كما وكيفا وسيعرف المغرب ثروة لا مثيل لها."
ولا ننسى أننا الآن في سنة 2022، أي أن هناك اكتشافات جديدة جد مهمة تراكمت على مدى الأربع سنوات الماضية، وأصبح المغرب حسب تقارير صحفية قادرا على ضمان استهلاكه الذاتي، ليس فقط لمدة 100 سنة بل إلى 400 سنة، إذا ما تم استثمار المخزون بنظام بترولي متكامل حسب تقرير بيزنس واير 2017. علما أن الاكتشافات الحالية لم تتجاوز حوالي الثلث من الخارطة الغازية المحتملة، وهذا عكس ما صرحت به وزيرة الانتقال الطاقي ليلى بنعلي في جلسة الأسئلة الشفوية بالبرلمان، في شهر يناير 2022، عندما قالت إن "الاحتياطات في المغرب لم تصل إلى المستوى المطلوب."!؟
فالمناطق المؤكدة بالمغرب لم تعد تقتصر على: الغرب ـ مسكالا ـ تندرارا ـ الصويرةـ كرسيف شيشاوة، بل هناك مناطق أخرى في الواجهة البحرية وخارجها على اليابسة، وهناك اكتشافات مستجدة غير معلنة، أما الذي خرج للعلن من طرف الشركات الأجنبية إلى حدود يناير 2022، مثل ما أعلنته شركة "شاريوت " البريطانية، عن اكتشافات بئر "أنشوا2"، ونحن هنا لا نتحدث عن بئر "أنشوا 1" ما بين طنجة والعرائش، الذي تبلغ تقديراته 100 مليار قدم مكعبة، وشركة "بريداتور أويل أند غاز" البريطانية في حقل جرسيف بئر "إ/ أو يو 4" ، وقبلهما ما أعلنته شركة " أويل أند غاز " البريطانية عن اكتشافات الاحتياطات الضخمة من الغاز في حقل انزكان أوفشور بأكادير وغيره..
ومختلف المناطق المكتشفة تجعل من المغرب ليس فقط مكتفيا ذاتيا من حيث الغاز والبترول وإنما مصدرا حقيقيا، تضاهي موارده بعدة مرات موارد القطاع الفلاحي، هذا الأخير الذي سيصبح ثانويا وليس أوليا كما هو الأمر حاليا، إذا ما تم تدبير هذه الثروة الإلهية بخلفية وطنية لمصلحة تنمية الاقتصاد والمجتمع.
أما انتهاج سياسة الاستيراد السهلة للمواد الطاقية الجاهزة من الخارج وما يعني ذلك من زيادة الكلفة، فالرابح كما هو معلوم ليس هو الاقتصاد الوطني، أما أنبوب الغاز النيجيري فهو لن يكون متاحا في الظروف الحالية أو على المدى القصير.
إن استيراد الغاز الطبيعي وزيت الوقود لتشغيل محطات توليد الكهرباء، حسب مكتب الصرف " ساهم في ازدياد سعر الكهرباء"، وستعرف الأسعار زيادة في السوق الدولية حسب المتوقع سواء حاليا أو على المدى القصير على أقل تقدير.
من جهة أخرى ليست هناك معطيات واضحة للرأي العام المغربي بخصوص المعلومات حول ترخيص المكتب الوطني للهيدروكاربورات لبعض الشركات المنقبة التي تمتلك حصة 75% من بيع الغاز المستخرج.
وعلى سبيل المثال، فهل مجال الترخيص ببيع الغاز لشركة "إس دي إكس" يقتصر على نواحي مدينة القنيطرة فقط؟ ومن هي الجهات المشترية؟
ماهي المعطيات الحقيقية حول المشروع الضخم المندمج "غاز تو باور" الذي قيل إنه سينطلق مع نهاية عقد الأنبوب الجزائري المغربي في سنة 2021 وسينتج 5 مليارات متر مكعب في السنة باستثمار 4.6 مليار دولار؟
ماذا عن حقيقة عقد المكتب الوطني للهيدروكاربورات مع شركة "ساوند إنيرجي" البريطانية لاستخراج وبيع وتصدير حوالي 350 مليون متر مكعب سنويا من غاز حقل تندرارة لمدة 10 سنوات، والذي تمتلك فيه الشركة نسبة 75% والمكتب الوطني للهيدروكاربورات نسبة 25%؟
ومن هي الجهات الأخرى المستفيدة من السعر المنخفض التي تبيع لها الشركات المستخرجة الغاز إلى جانب المكتب الشريف للفوسفاط؟ ومن هي تحديدا هذه الشركات الأجنبية البائعة؟
هذه فقط بعض الأسئلة البسيطة جدا حول هذا الموضوع الذي يهم الرأي العام الوطني ومبدأ الحكامة الدستورية ويهم مستقبل المغرب وأجياله.