حورية خير الله
تنتشر في عديد من مدن المغرب كالدار البيضاء وطنجة، يعلم بها الجميع لكنها توصف بـ "السرية"، هي معامل غير قانونية تستغل عمالا وعاملات بأجور زهيدة دون عقد ولا حماية اجتماعية.
معامل تندرج ضمن القطاع غير المهيكل، الذي يرى خبراء أن له تداعيات اقتصادية جمة لذلك يحثّون على ضرورة هيكلة هذا النوع من الاقتصاد.
خسائر اقتصادية كبرى
القطاعات غير القانونية أو غير المهيكلة، والتي لا تقتصر على المعامل الصغيرة، تسبب خسائر اقتصادية كبرى للأفراد والشركات والدولة.
على الدولة تضيع المداخيل الضريبية والاشتراكات الاجتماعية، وعلى المقاولات تقل العائدات من حيث الفرق في الأسعار وتكلفة الإنتاج نتيجة عدم دفع الضرائب والرسوم، بما في ذلك الضريبة على القيمة المضافة الشيء الذي يحدث خللا في التنافسية.
ويضم القطاع غير المهيكل انشطة اقتصادية يُمارسها مغاربة خارج النظام الضريبي، ما يضيع على الدولة مداخيل جبائية طائلة، كما أن المشتغلين فيه لا يستفيدون من حقوقهم على غرار المشتغلين بصفة قانونية.
ويضيع هذا القطاع على الدولة أيضاً إمكانية رفع المردودية الاقتصادية والتنافسية، إضافة إلى المساهمة في خلق الثروة، بحيث تمس هذه الظاهرة القطاعات الصناعية والتجارية والخدمات.
ويرى خبراء اقتصاديون وجوب معالجة ظاهرة القطاع غير المهيكل عبر تقوية الترسانة القانونية والزيادة من مُرونة تعامل الدولة مع هذه الأنشطة، وهيكلتها.
إهدار 40 مليار درهم سنويا
40 مليار درهم تهدر سنويا من ميزانية الدولة بسبب الاقتصاد غير المنظم، هذا ما أكده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقريره الصادر في دجنبر 2021، ونوقشت مخرجاته عشية الاثنين 13 دجنبر بمجلس المستشارين.
هذا الإهدار يضعف قدرات الدولة في تمويل عرض الخدمات العمومية.
وأشار التقرير مشيرا إلى أن الموارد التي تضيع على ميزانية الدولة بسبب هذه الوضعية تقدر بنحو 40 مليار درهم سنويا.
ويسجل تقرير المجلس في إطار إحالة ذاتية، أن استمرار الاقتصاد غير المنظم في مستويات عالية، يؤدي إلى إبطاء وتيرة التحول الهيكلي للاقتصاد، وذلك بالنظر للإنتاجية الضعيفة لهذا الاقتصاد غير المنظم. (تصل إلى 29 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي في 2018 بحسب المصدر).
ويوضح المصدر ذاته، ضمن التقرير المعنون بـ"مقاربة مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير المنظم بالمغرب" أن وجود نوع من "التغاضي عن هذه الظاهرة، يخلق منظومة اقتصادية شديدة الهشاشة. ليضيف أن بعض الفاعلين يلجأون إلى ممارسات غير مصرَّح بها أو حتى غير مشروعة، مما يهدد مبدأ سيادة القانون وينجم عنه تداعيات سلبية سواء على الفاعلين في الاقتصاد غير المنظم أو على مستوى المجتمع.’’
إصلاحات هيكلية إضافية
وعقب اللقاء المنعقد في 13 دجنبر وُقعت اتفاقية تعاون بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومجلس المستشارين.
النعم ميّارة رئيس مجلس المستشارين يقول إنه "رغم كونِ الدراسات تفيدُ أن الاستراتيجيات والتدابير المعتمدة من طرف الدولة لتعزيز المناخ المؤسساتي والاقتصادي والمالي قد أتت أكلها في تقليص حجم الاقتصاد غير المنظم إلا أنها تقر من جهة أخرى بوجوب إطلاق إصلاحات هيكلية إضافية ضمن مقاربة مندمجة لمواجهة صمود الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة".
ليضيف أن " أية سياسة معزولة وغير مندمجة لا يمكن أن تؤتي أكلها في تقليص وزن وحجم الاقتصاد غير المنظم".
ويؤكد ميارة في اللقاء ذاته أن "ظاهرة الاقتصاد غير المنظم تتسم بطابعها الكوني ولا تنحصر في المغرب فهي ترخي بظلالها على سوق العمل وعلى الاقتصاد الكلي، مضيفا أن منظمة العمل الدولية تصنف الاقتصاد غير المهيكل ضمن فئة الأنشطة التي يقوم بها عمالٌ أو وحدات اقتصادية لا تشملها قانونياً أو في الممارسة العملية الترتيبات الرسمية بصورة كافية أو على الإطلاق".
وقُدِّمت خلال هذا اللقاء خلاصات وتوصيات تهم بصفة عامة تحديات هيكلة الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة، سيما تلك المتعلقة بالتأهيل والمواكبة، والاندماج في منظومة الحماية الاجتماعية، وتمثيلية الفاعلين في الاقتصاد غير المنظم، ورفع الحواجز القانونية والتنظيمية، وتيسير الولوج إلى التمويل وإلى السوق.
تضارب في الأرقام
وتتضارب الأرقام حول حجم القطاع غير المهيكل) غير المنظم (، حيث تفيد دراسة حول "قياس وتطور الاقتصاد غير المهيكل بالمغرب"، نُشِرت نتائجها في يناير 2021 على البوابة الإلكترونية لبنك المغرب المركزي، أن الاقتصاد غير المهيكل بالمغرب انخفض إلى مستوى أقل من 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام خلال الفترة ما بين 2009 و2018.
أما الاتحاد العام لمقاولات المغرب فيقول في بيان سابق من العام2020، أن معطياته تدل على أن الأزمة الاقتصادية الحالية المرتبطة بفيروس كورونا المستجد كشفت أن القطاع غير المهيكل يُمثل أكثر من 50 في المائة من الاقتصاد الوطني، ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، تمثل العمالة غير المهيكلة 80٪ من إجمالي العمالة في المغرب.
معامل "سرية" معروفة!
في سياق متصل يقول نجيب أقصبي "إن القطاع غير المهيكل الذي يمثل كل نشاط غير خاضع للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، أي أنه لا يحترم لا قانون الشغل ولا قانون الضرائب أو غيرها من القوانين."
ويورد أقصبي في تصريح خاص لـ"اقتصادكم"، أن "هذا القطاع تتداخل فيه العديد من الأنشطة منها، المعيشية كالباعة المتجولين الذين حتمت عليهم ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية العمل بهذه الطريقة دون اختيار، أما القطاع غير المهيكل الذي يندرج ضمنه المعامل السرية ففيه اختيار إرادي من المشَغِّلين بعدم الخضوع لقوانين الشغل ولا القوانين الضريبية..".
ويرى المتحدث ذاته أن "تسمية هذه المعامل بـ"السرية" غريب لأنه الجميع يعرفها مواطنون ودولة.
والدولة -بحسب اقصبي- تغض الطرف عنه أو تتغاضى، وذلك لعدة أسباب إذ هي تستفيد من هذا الوضع وتحبذ وجود مواطنين يشتغلون في هذه الظروف على أن يخرجوا للشوارع مطالبين بمجموعة من الحقوق."
ويعتبر اقصبي في حديثه لـ’’اقتصادكم’’ أن "هذه الوحدات تتعامل مع العمال بمنطق يسوده الجشع والاستغلال، فهي لا تدفع الضرائب ولا اشتراكَات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتتملّص من مراقبة مفتشي الشغل والقانون الذي يؤطر عملهم ويضمن حقوق العاملات والعاملين في هذه المعامل".
"وحين نتكلم عن قطاع غير قانوني هذا يعني أن المشتغلين في هذه القطاعات يفرضون على العاملين شروطا مجحفة ترد فيها بعض الانحرافات من بينها طول ساعات العمل وهزالة الأجور، وهضم الحقوق.." يضيف الخبير الاقتصادي.
الإرادة هي الحل
"الحلول ليست سهلة" هكذا عبر نجيب أقصبي في معرض حديثه عن إشكالية المعامل السرية، موردا أن "حل هذه الإشكالية واضح وظاهر وهو احترام القانون وتطبيقه فالدولة التي تحافظ على احترام القانون في المجال العام لا يمكن ألا تستطيع المحافظة عليه في المجال الاقتصادي أو التجاري أو غيره".
جدير بالذكر أن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، اعتبر التداخل القائم بين القطاع غير المنظم والقطاع الخاص المنظم والقطاع العمومي يُعقّد من عملية الحد من حجم منظومة الاقتصاد غير المهيكل، حيث تتزود الوحدات الإنتاجية غير المنظمة من مقاولات القطاع الخاص المنظمة بنسبة 18.2 في المائة، دون إغفال الأنشطة والمعاملات المستترة غير المصرح بها التي يقوم بها أصحاب بعض شركات المناولة في إطار الطلبيات العمومية.