اقتصادكم
بعد سنوات من الحذر والانتظار، يتجه المغرب بخطى ثابتة نحو تنظيم سوق الأصول المشفرة، وفق رؤية رسمية مغايرة تجاه هذه التكنولوجيا المالية الناشئة التي شهدت في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في استخدام العملات الرقمية رغم غياب إطار قانوني واضح.
يشير عدد من الخبراء، ومن بينهم بدر بلاج، الخبير في البلوكشين والعملات المشفّرة وعضو مؤسس منصة “Mchain”، إلى أن الدوافع وراء هذا التحول متعددة:
1. انتشار واسع بين الشباب المغاربة
المغرب واحد من أكثر الدول العربية انخراطاً في تداول العملات المشفّرة. وتشير بيانات صادرة عن شركات تحليل دولية مثل Chainalysis إلى أن حجم التعاملات بين 2023 و2024 بلغ حوالي 12,7 مليار دولار، ما يضع المغرب في المرتبة 24 عالمياً. ورغم أن الأرقام محل نقاش، إلا أن النشاط نفسه لا يمكن تجاهله.
2. فشل سياسة المنع العملي
رغم إصدار عدة تحذيرات رسمية في السنوات الماضية، لم يؤد ذلك إلى الحد من التداولات. بل على العكس، ساهم في خلق سوق موازية تعمل خارج أي رقابة، مع ما تحمله من مخاطر الاحتيال وغسل الأموال.
3. تغير المزاج الدولي
يتجه العالم نحو تنظيم شامل لهذه الأصول بدل منعها، حيث وضعت أوروبا لائحة MiCA التي أصبحت نموذجاً عالمياً، وتعمل الولايات المتحدة وكندا واليابان على آليات رقابية جديدة، في حين لم يبق المغرب في موقع المتفرج، وإنما يسعى إلى الانخراط في هذا التحول العالمي.
4. الامتثال لتوصيات الهيئات الدولية
لا سيما توصيات مجموعة العمل المالي GAFI، التي تلزم الدول بتنظيم مقدمي خدمات الأصول المشفّرة ومراقبتهم، مع تقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب. القانون المغربي الجديد يستجيب لهذه المتطلبات.
ورغم استلهامه المباشر للتجربة الأوروبية، يضيف المغرب بصمته الخاصة على الإطار القانوني من خلال عدم اعتبار العملات المشفّرة وسيلة دفع، على عكس الاتحاد الأوروبي، لا يعترف المغرب بما يسمى "Tokens de paiement"، وبالتالي، لن تستخدم العملات الرقمية للتعاملات التجارية اليومية، بل تُعامل كأصول مالية. بالإضافة إلى عدم التفريق بين المحافظ الخاصة ومحافظ المنصات، بينما يميّز الاتحاد الأوروبي بين المحافظ ذاتية الاستضافة ومحافظ المنصات، يختار المغرب تنظيماً أكثر بساطة وشمولية.
ثم غياب إطار تفصيلي للعملات المستقرة (Stablecoins)، في الوقت الذي تعتبر فيه الولايات المتحدة العملات المستقرة أداة مالية مستقبلية قد ترتقي إلى مستوى العملات الرسمية، يتعامل المغرب بحذر أكبر، مؤجلاً تنظيماً دقيقاً لها إلى مراحل لاحقة، كما أن عدم تحديد سقف لحيازة الأصول المشفّرة وهو ما يميز المغرب عن دول مثل المملكة المتحدة وكندا.
ما الذي يتغير؟ نحو شرعنة مشروطة لسوق ناشئة
أبرز تأثير لهذا القانون هو التحول الجذري في الموقف الرسمي للمرة الأولى، حيث يعترف المغرب بأن الأصول المشفّرة أصول مالية قانونية، بشرط التعامل معها عبر قنوات منظمة.
ويحمل هذا الاعتراف عدة دلالات أبرزها تحسين ثقة المواطنين والشركات وتقليص السوق السوداء عبر إدخال الوسطاء إلى دائرة الترخيص والمراقبة، وفتح آفاق جديدة للابتكار المالي خصوصاً في مجالات التحويلات الدولية منخفضة التكلفة، حلول الدفع بين الشركات، إدارة الأصول الرقمية، تطوير منصات خدمات مالية قائمة على البلوكشين.