آجال الأداء التعسفية.. من يدفع الثمن؟

التحليل والرأي - 02-03-2023

آجال الأداء التعسفية.. من يدفع الثمن؟

اقتصادكم

يفرض التأخر في الأداء أعباء ضخمة على الرأسمال المتداول للشركات، وتعتبر الأسباب الكامنة وراء ذلك جلية وواضحة. وتطبق كل من الحرب الروسية الأوكرانية، مرورا بالتضخم، ووصولا إلى ارتفاع أسعار الفائدة وتشديد السياسة النقدية، ضغوطا متزايدة على الشركات. ورغم كل ذلك، لا يخلو تمديد آجال الأداء من العواقب المؤثرة على القدرة التنافسية للشركات وسلاسل التوريد.

وهكذا فإن التقلبات الاقتصادية تدفع اليوم وأكثر من أي وقت مضى، الأفراد والمقاولات من جميع الأحجام إلى تمديد تواريخ استحقاق الفواتير. وتستطيع المقاولات من خلال تمديد آجال أداء الفواتير لمورديها الاحتفاظ بالسيولة لمواجهة التحديات المالية، ويتمكن للأفراد، من جهتهم، من در تدفقات مالية سليمة لأنه يتم تأجيل النفقات، في حين أن الدخل يظل قارا.

يعتبر القلق المزمن الذي قد يعتري المقاولات وآجال الأداء التعسفية والأداء المتأخر، إجراءات مرفوضة في عالم الأعمال، إذ يمكن أن يؤدي تمديد آجال الأداء إلى الإضرار بالعلاقة الرابطة بين المقاولات والموردين الذين سيتعين عليهم، في هذه الحالة، تحمل أعباء مالية ضخمة قد تفضي بهم إلى مواجهة حالات الندرة، مما قد يزج بالمقاولات في حلقة سد الفجوات النقدية من أجل المضي قدما في المشاريع.

وفي هذا السياق الذي يتسم بعدم اليقين، شرع المغرب في إصلاحات تهم آجال الأداء، من خلال تغييرات وتعديلات كبرى لمعالجة إشكالية آجال الأداء ولإرساء أسس مشهد صناعي موات لتحقيق التطور في مجال الأداء المنصف والدقيق.

وصادق مجلس النواب مؤخرا، في يناير، على مشروع القانون رقم 69.21 الذي ينص على أحكام خاصة تتعلق بآجال الأداء. ويشمل تحديد الأجل الأقصى للأداء عندما يتفق الأطراف في 120 يوما عوض 90 يوما، واعتماد تاريخ إصدار الفوترة كبداية لاحتساب أجل أداء المبالغ المستحقة بدل تاريخ تسليم السلعة أو تنفيذ الخدمة، بالإضافة إلى منح أجل استثنائي لا يتجاوز 180 يوما لمهنيي القطاعات ذات الطابع الخاص أو الموسمي.

وينص مشروع القانون كذلك على فرض غرامة مالية لفائدة الخزينة محددة في نسبة 3 في المائة عند اختتام الشهر الأول من التأخر في الأداء وفي نسبة 1 في المائة عن كل شهر إضافي.

وسيقلل هذا الإجراء، بلا شك، من تمديد آجال الأداء، إلا أن واقع المقاولات يظل معقدا ولا سيما على مستوى وفاء الزبناء. ويحظى التدفق النقدي المستقر بأهمية بالغة لدى أية مقاولة، إذ تتعرض تلك التي تواجه إكراهات آجال الأداء الممتدة لمخاطر مالية، غير أن كسب الزبائن والاحتفاظ بهم، والذي يعتمد على تبسيط شروط الأداء من بين جملة أمور أخرى، لا يقل أهمية عن الالتزام بتواريخ الاستحقاق.

وأبرز محمد الوحدودي، رئيس جمعية الشبكات الاقتصادية الأوربية-الأفريقية، أن "الموردين كسروا العادات المرتبطة بتسليم البضائع قبل الأداء، حتى مع الزبائن القدامى. إذ أضحت مخاطر الإعسار المالي تثير الخشية، وبالتالي انبثقت الحلقة المفرغة المتمثلة في الخشية من التأخر في الأداء أو في عدم سداد الفواتير، وكذا الخوف من فقدان الزبائن".

وأضاف "إننا نعيش اليوم فترة ما بعد كورونا التي تتسم بصعوبات عدة. ومن المفارقات فإن المقاولات التي تواجه صعوبات تقف أمام عقبتين: الأولى تتمثل في ضرورة الأداء قبل التسلم، نظرا لندرة المنتجات وارتفاع الأسعار، والثانية تكمن في الآثار المترتبة عن تأخر أداء الزبائن"، مشيرا إلى أن الإطار التشريعي يساهم في إرساء مناخ أعمال تسوده الشفافية والنجاعة، مراع لمصالح المقاولات.

إن القدرة على الوفاء بالالتزامات التجارية وتقليل الاعتماد على الديون وامتلاك تدفقات نقدية متينة، وتحديد شروط الأداء ليست بالأمور الهينة، ولكنها لا تقل وضوحا عن الفرص، خاصة بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة.

وتطالب العديد من الشركات الكبرى مورديها بتمديد آجال الأداء، مما يعني أن المقاولات الصغرى والمتوسطة ملزمة بقبول الأداء المتأخر للفواتير كثمن لإبرام الصفقات مع الشركات المعروفة، في حين أن الأخيرة تملك الوسائل الكفيلة بزيادة حجم الرأسمال العامل ودر المزيد من السيولة للمشاريع ذات الأولوية.

ولا شك أن هذه المقايضة ستفضي بهذه المقاولات الصغرى والمتوسطة إلى اعتماد بدائل تمويلية للحفاظ على التدفق النقدي، إلا أن إقدامها على هذا النوع من الشراكة من شأنه أن يفتح لها الأبواب الكفيلة بضمان مصداقيتها وتعزيز ثقتها لدى الزبائن المحتملين الآخرين.

ومع ذلك، يستدعي تحقيق علاقة وثيقة بين المقاولات في هذه الحالة توافقا حقيقيا مع الموردين من أجل فهم أفضل لدورات التكاليف ومواءمة شروط تمديد الأداء دون الإضرار بهذه العلاقة.

تساعد الأنظمة الحالية لتدبير الإجراءات داخل الشركة على تتبع التأخيرات، إلا أن العملية اليدوية المتمثلة في تدوين الملاحظات على كل حساب والاتصال بالزبائن أو إرسال بريد إلكتروني إليهم تستغرق وقتا وتعتبر مكلفة.

ولهذا، فإن رقمنة هذه الأنظمة وعمليات تحصيل الديون وسيلة كفيلة بتغير الطريقة التي تتعامل بها المقاولات مع تأخير الأداء، ومن شأن الحلول الرقمية التي تعطي الأولوية للأداء أن تقلل التوتر الناجم عن التأخر في الأداء وأن تخلق ثقافة الأداء في الأجل المحدد.

وفي هذا الصدد، شدد الوحدودي على ضرورة "رقمنة معظم مراحل عملية الأداء، أو حتى مجملها، مما سيسمح بالتحصن ضد كافة المخاطر، بما فيها مخاطر الفساد".

واعتبر أن "تحسين آجال الأداء يعد ضرورة ملحة بحيث لا يمكن تدبيرها ورقيا، إذ أضحت قمنتها ضرورة أكثر إلحاحا من مساطر وإجراءات العقاب".

ويرى أن: "الختم والتوقيع عفا عليهما الزمن، وأنه قد أضحى بمقدورنا اليوم اعتماد التوقيع الإلكتروني في جميع الفواتير ومن طرف كافة المقاولات، مما سيسرع وتيرة تعميم سياسة التخلي عن الورق".

وأصبح جليا اليوم تنامي وتسارع وتيرة تطلعات المغاربة وسقف تطلعاتهم في ما يتعلق بالأداء العملي والآمن. لذا فإن المقاولات مطالبة بأخذ زمام المبادرة واعتماد البرمجيات الكفيلة بتتبع ومعالجة عمليات الأداء والوثائق ذات الصلة.

ويمكن، في هذا الصدد، للقنوات الرقمية أن تدفع الشركات إلى آخر النفق، إذ سيساهم قبول الأداء بشكل الإلكتروني في حصول هذه المقاولات على الأموال بشكل أسرع.