إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية.. نحو تعزيز السيادة والنمو الاقتصادي

التحليل والرأي - 09-11-2024

إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية.. نحو تعزيز السيادة والنمو الاقتصادي

اقتصادكم

 

 يمضي المغرب قدما في إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، باعتباره ركيزة استراتيجية تروم تعزيز السيادة الوطنية والنهوض بالاندماج الاقتصادي الإقليمي والدولي.

ويندرج هذا الإصلاح، الذي سيعرف تحولا حاسما في سنة 2025، في إطار رؤية لتحسين أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، وتعزيز دورها في تحقيق العدالة المجالية وإضفاء دينامية نمو مستدام يستجيب لاحتياجات المواطنين.

وفي هذا الصدد، أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، خلال الجلسة العامة المشتركة لمجلسي البرلمان يوم 19 أكتوبر الماضي، والتي خصصت لتقديم الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2025، التزام الحكومة بتنفيذ التعليمات الملكية السامية لجعل المحفظة العمومية رافعة رئيسية للتنمية الاقتصادية.

استثمار ضخم للاضطلاع بدور استراتيجي:

يخصص مشروع قانون المالية للسنة القادمة ما يعادل 138 مليار درهم للمؤسسات والمقاولات العمومية، من إجمالي 340 مليار درهم من الاستثمارات العمومية.

وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي المتخصص في السياسات العمومية، عبد الغني يومني، إن من شأن هذا المبلغ الكبير الإسهام في تعزيز هذه المؤسسات ودعم دورها الحيوي في تنمية الاقتصاد الوطني.

وأوضح يومني، في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أن "دور المؤسسات والمقاولات العمومية أساسي في خلق بنيات تحتية إنتاجية بغية جعل المغرب محطة مهمة لسلاسل القيمة العالمية وجسرا اقتصاديا قاريا. بيد أنه، باستثناء مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، باستثمار 45 مليار درهم ورقم معاملات يقدر بـ 105 مليار درهم، فإن بقية المؤسسات العمومية لا تؤدي فعليا هذا الدور التنموي".

ويرى أنه من الضروري تطوير رافعات اقتصادية جديدة سواء أكانت عمومية أو خاصة لتخفيف الضغط على المالية العمومية ومواكبة هذا الزخم.

إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية في خدمة السيادة والأداء:

في إطار دينامية الإصلاح الجاري للمؤسسات والمقاولات العمومية والجهوية المتقدمة، يستمر تسريع مشاريع إنشاء وإعادة تنظيم بعض المؤسسات والمقاولات العمومية على المستوى الترابي، وبالخصوص مع إنشاء 12 شركة جهوية متعددة الخدمات (SRM) لتحل محل وكالات التوزيع وإدارات التوزيع الجهوية للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

وحسب تقرير المؤسسات والمقاولات العمومية المرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2025، سيتم بالموازاة مع ذلك إنشاء 12 مجموعة صحية ترابية لتحل محل كافة المؤسسات الصحية التابعة للقطاع العمومي ضمن نطاقها الترابي، باستثناء تلك التي تخضع لنصوص تشريعية أو تنظيمية خاصة، ومؤسسات الصحة العسكرية، والمكاتب الجماعية لحفظ الصحة.

واعتبر  يومني أن هذه التدابير تصب في مصلحة تعزيز السيادة الوطنية، مضيفا أن المغرب قرر جعل قطاعات استراتيجية على غرار الماء والكهرباء والتطهير ركائز لسيادته.

وأوضح الخبير أن المملكة تصبح بذلك، أكثر فأكثر، فاعلا في إدارة امتيازات التدبير المفوض لفائدة بلدان إفريقية أخرى.

كما أشار يومني إلى أن تأثير هذه البنيات الجديدة لن يتضح بشكل كامل إلا بعد مرور ثلاث إلى خمس سنوات، مؤكدا أن "هذه التجربة الجديدة تعد اختبارا حقيقيا للإدارة العمومية الترابية وكفاءة الجهات والجماعات، نظرا إلى أن البنيات الجديدة ستتيح للجماعات الترابية إمكانية اختيار أنماط التدبير، غير أن قياس الأثر المحدث على المرتفقين سيستغرق وقتا ".

وفي السياق ذاته، شدد الخبير على الأهمية التي تكتسيها الحكامة الجيدة وتقييم نتائج هذه المبادرات الجديدة.

نحو اقتصاد متنوع وقادر على الصمود:

تتمثل أحد الأهداف الرئيسية لإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية في ترسيخ مكانة المغرب في دينامية اقتصادية دولية.

ويتوقع مشروع قانون المالية لسنة 2025 أن تفوق الموارد المتأتية من المؤسسات والمقاولات العمومية 19,5 مليار درهم لفائدة ميزانية الدولة دون احتساب موارد تفويت الأصول وعائدات الخوصصة، مع تخصيص 103,2 مليار درهم من الاستثمارات لتلك التابعة لنطاق الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية. وبحسب السيد يومني، فإن هذا الأمر يعكس التزام الحكومة بإرساء السيادة الوطنية وإنجاح النموذج التنموي الجديد للمغرب. إلا أنه أوضح أن ذلك يستدعي خلق تضافر " بين الاقتصاد والسياسة لبناء أسس سياسة نهضة جديدة للمغرب ".

وذك ر الخبير الاقتصادي بأنه في نهاية المطاف، يتمثل الهدف في توجيه النموذج الاقتصادي المغربي نحو دينامية تحتل فيها الاستثمارات الخاصة مكانة بارزة، لتشكل 60 في المائة من الاستثمار الإجمالي، مقابل تقليص حصة الاستثمارات العمومية إلى 30 في المائة.

تأثير اقتصادي جزئي من أجل تحقيق نمو مستدام

علاوة على ما سبق، أبرز يومني أن التأثير الإيجابي للاستثمارات العمومية يظهر بشكل رئيسي على مستوى الاقتصاد الجزئي، من خلال زيادة الإنتاجية وإنشاء وحدات إنتاج صناعية وتعزيز جاذبية الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وفي السياق ذاته، أورد الخبير الاقتصادي أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 والسياسات المالية خلال السنوات الخمس المقبلة يرومان إقامة البنيات التحتية اللازمة لاستضافة فعاليات دولية من قبيل كأس العالم لكرة القدم 2030، وتحويل المغرب إلى واجهة صناعية مبتكرة ومتنوعة.

كما اعتبر يومني أنه من الضروري تقليل الاعتماد على التمويل العمومي بغرض تفادي الوقوع في دوامة الديون والتضخم، وبالتالي تعزيز الاقتصاد الجزئي على حساب الاقتصاد الكلي. من خلال إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، يواصل المغرب العمل من أجل تحقيق حكامة مثلى وتعزيز دينامية الاستثمار داخل هذه المؤسسات، لتصبح فاعلا أساسيا في التنمية الاقتصادية الوطنية، وتساهم في إشعاع المملكة على الساحة الدولية.