رأس المال البشري: ميزة تنافسية لجاذبية المغرب الصناعية

آخر الأخبار - 29-10-2025

رأس المال البشري: ميزة تنافسية لجاذبية المغرب الصناعية

اقتصادكم

 

أدرك المغرب في وقت مبكر أن الثروة لا تقاس فقط ببنياتها التحتية، بل بجودة مواطنيها وبقدرتهم على الإبداع، ففي خطاب العرش لسنة 2014، أكد الملك محمد السادس أن «الرأسمال اللامادي يشكل الثروة الحقيقية للأمم».

وبعد أحد عشر عامًا، تتجسد هذه الرؤية بوضوح من خلال التحول الصناعي العميق الذي يعرفه المغرب، والذي يتجلى في استقرار مجموعات صناعية عالمية من قبيل Stellantis، Boeing، Siemens Energy، وأخيرًا افتتاح المجمع الصناعي لمحركات الطائرات التابع لمجموعة Safran في نواصر.

الإنسان في صلب التنمية الصناعية

وفقًا لمذكرة اقتصادية صادرة عن البنك الدولي بعنوان: «المغرب في أفق 2024: الاستثمار في الرأسمال اللامادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي»، جاء فيها «من السهل نسبيًا بناء طريق سيار أو محطة كهرباء أو مصنع سيارات، لكن على المدى الطويل، يبقى رأس المال البشري هو الميزة التنافسية الأهم لأي بلد»، واستوعب المغرب، بوضوح، هذه الحقيقة مبكرًا.

يجسد مشروع Safran الذي كلف 3,4 مليارات درهم هذا الرهان الناجح، إذ لم يكن مجرد رهان على الموقع الجغرافي أو الامتيازات الجبائية، بل ثقة في الكفاءات المغربية التي أصبحت اليوم من أهم ركائز جاذبية المملكة الصناعية.

فقد وجد هذا العملاق الفرنسي في المغرب بيئة صناعية عالية الأداء، قبل كل شيء رأسمالًا بشريًا مؤهلاً يضاهي المعايير العالمية في مجال الطيران.

شهادة دولية في حق الكفاءات المغربية

صرّح أوليفييه أندرياس، الرئيس المدير العام لمجموعة Safran، قائلاً إن المغرب «بلد مليء بالمواهب وفي خضم دينامية صناعية قوية»، مُشيدًا بمستوى مدارس الهندسة المغربية التي تضم «كفاءات استثنائية، ملتزمة، وعلى أعلى مستوى من الأداء التشغيلي».

لقد أصبح رأس المال البشري المغربي الذي كان يُنظر إليه سابقًا فقط كـ«مورد للعمل»، يُعتبر اليوم قيمة استراتيجية وجب الاستثمار فيها والدفاع عنها. فالاستراتيجية المغربية قامت على تكوين الأطر قبل استقطاب المستثمرين ففي قاعات التجميع وورشات الصيانة، أصبح الخبرة المغربية في مجال الطيران معترفًا بها عالميًا.

نظام تكويني متكامل وارتفاع في الكفاءات

يؤدي المكتب الوطني للتكوين المهني وإنعاش الشغل (OFPPT) دورًا مركزيًا في هذا التوجه، إلى جانب المعهد المغربي لصناعات الطيران (IMA) الذي كثّف تخصصاته في مجالات المواد المركّبة (composites)، الميكانيك الدقيقة، والعمليات الصناعية المتقدمة.

هذا الارتقاء بالكفاءات لم يقتصر على المستويات التقنية الأساسية، بل شمل أيضًا التعاون بين الجامعات ومراكز البحث والشركات، ما سمح بإدماج البحث والتطوير (R&D) في المعادلة الصناعية.

نتيجةً لذلك، انتقلت الصناعة المغربية من مرحلة التجميع البسيط إلى أنشطة ذات قيمة مضافة عالية، حيث أصبحت الهندسة والصيانة المتقدمة جزءًا لا يتجزأ من النموذج الصناعي الوطني.

صناعة طيران مغربية راسخة

تؤكد المؤشرات أن المغرب تجاوز مرحلة التأسيس ففي غضون عقدين فقط، تمكن من بناء منظومة صناعية متكاملة للطيران تضم أكثر من 150 شركة، نسبة إدماج محلي تفوق 40%، وصادرات تفوق 25 مليار درهم سنة 2024.

وقد ساهمت المنصات الصناعية المندمجة مثل Midparc، إلى جانب السياسات الطموحة في مجال التكوين، في ملاءمة عرض الكفاءات مع متطلبات كبريات الشركات العالمية.

نحو ريادة صناعية قائمة على المعرفة

يتمثل التحدي اليوم في الاستثمار في الإنسان بقدر الاستثمار في الآلة، حتى ينتقل المغرب من بلد تصنيع وتجميع إلى اقتصاد قائم على المعرفة.

وقال يوسف الكراوي ، رئيس المركز المغربي للحكامة والتدبير، في تصريح لجريدة "Finances news hebdo " إن الرهان لم يعد فقط جذب المستثمرين، بل تحويل هذه الاستثمارات إلى محركات لنقل التكنولوجيا والمعرفة.

وأضاف «المطلوب هو رفع كفاءة الموارد البشرية المغربية من خلال اتفاقيات لنقل الخبرة، خصوصًا في مجالات إصلاح وصناعة وصيانة محركات الطائرات».

بمعنى آخر، لا يجب أن تقتصر الصناعة على تشغيل اليد العاملة المحلية، بل عليها الارتقاء بها، فالاستثمارات الأجنبية ينبغي أن تبنى على شراكات تربط المقاولات بالمدارس والمعاهد المغربية في إطار رؤية رابح – رابح حيث يستفيد المستثمر من الكفاءة والاستقرار، ويعزز المغرب استقلاله التكنولوجي.

هذا التوجه، الذي أثبت نجاحه في صناعة السيارات والطيران، مرشّح لأن يمتد إلى الذكاء الاصطناعي، الاقتصاد الرقمي، والطاقات المتجددة — وهي المجالات التي يسعى المغرب من خلالها إلى أن يصبح قطبًا إقليميًا للابتكار والتكنولوجيا.